السجائر الإلكترونية: خيار بديل دون دليل!
في الوقت الذي تظهر فيه الإحصائيات أن عدد ضحايا سرطان الرئة من النساء الأوروبيات، سيتخطى عما قريب عدد ضحايا سرطان الثدي، ليصبح سرطان الرئة السبب الأول للوفيات بين الأوروبيات بسبب السرطان، يتزايد الجدل حول الدور الذي يمكن للسجائر الإلكترونية أن تلعبه في خفض الوفيات الناتجة عن سرطان الرئة، وما إذا كانت هذه السجائر تحمل في حد ذاتها أخطاراً غير معروفة حالياً.
وحسب إحدى الدوريات العلمية المتخصصة في الأمراض السرطانية (Annals of Oncology)، ستلقى حوالي 89 ألف امرأة أوروبية حتفهن هذا العام بسبب سرطان الثدي، بينما سيقتل سرطان الرئة حوالي 83 ألفاً أخريات، وهو ما يعني أن سرطان الثدي لا يزال حالياً هو السبب الرئيس للوفيات بين النساء الأوروبيات نتيجة الأمراض السرطانية. ولكن مع حلول عام 2015، أي بعد عامين فقط تقريباً، سيحتل سرطان الرئة المرتبة الأولى، متفوقاً على سرطان الثدي كسبب رئيسي للوفيات. ويعزو العلماء هذا التغير المتوقع إلى بلوغ النساء اللواتي بدأن التدخين خلال عقدي الستينيات والسبعينيات، لنقطة التقاء بين فترة تدخين تزيد عن أربعة عقود، بالترافق مع بلوغهن لمرحة عمرية تتزايد فيها احتمالات الإصابة بالسرطان، حيث يعتبر التقدم في العمر من أهم عوامل الخطر المصاحبة للأمراض السرطانية. وإن كانت التوقعات المستقبلية الأبعد أمداً، تشير إلى تراجع الوفيات الناتجة عن سرطان الرئة بين الأوروبيات خلال العقود القادمة، نتيجة لتراجع معدلات التدخين بينهن منذ بداية عقد الثمانينيات مع تزايد الإدراك للمخاطر الصحية للتدخين.
وتشمل هذه المخاطر الصحية كلاً من سرطان الرئة، وسرطان الفم والحنجرة والبنكرياس، والذبحة الصدرية، والسكتة الدماغية، وضيق وتصلب الشرايين، والانسداد الرئوي المزمن، بالإضافة إلى مرض الزهايمر، وتقرحات القولون، والتوحد والأزمة الشعبية لدى الأطفال، وغيرها من الأمراض والعلل، وهو ما يجعل التدخين أحد أهم المخاطر الصحية في العصر الحديث، ومن الأسباب الرئيسية للوفيات الممكن تجنبها والوقاية منها. ففي الولايات المتحدة فقط، يقدر أن التدخين يتسبب في وفاة نصف مليون شخص سنوياً، بينما تقدر دراسة أخرى أن التدخين سيؤدي لخفض ملحوظ في متوسط العمر لثلث الرجال في الصين، نتيجة الوفيات المبكرة التي سيتسبب فيها. وبوجه عام، يفقد المدخنون حوالي 14 عاماً من أعمارهم، حيث تنخفض متوسطات أعمار المدخنين بقدر ملحوظ عن أقرانهم غير المدخنين. ويلقى نصف المدخنين على الأقل حتفهم مبكراً، وهو ما يجعل منتجات التبغ هي البضاعة الوحيدة التي يتم استهلاكها بشكل قانوني، وتؤدي في النهاية إلى وفاة نصف مستخدميها.
والمفارقة المؤسفة، أن المادة التي يرغبها المدخنون، أي النيكوتين، بخلاف رفعها لضغط الدم ولزيادة ضربات القلب، وبعض التأثيرات السلبية على جدران الأوعية الدموية المشابهة للتأثيرات المصاحبة لضيق وتصلب الشرايين، مع ذلك لا يشكل استهلاك النيكوتين خطراً صحياً مهماً، ولا يعتبر مسؤولاً رئيسياً عن التبعات الصحية الخطيرة التي تترافق مع استهلاك منتجات التبغ. فهذه المخاطر والتبعات تنتج في الحقيقة عن المواد الكيميائية الأخرى، الموجودة بشكل طبيعي في أوراق نبات التبغ، أو التي تمت إضافتها من قبل شركات تصنيع التبغ لغرض تحسين النكهة والطعم.
فمن بين عشرات المواد الكيميائية التي يستنشقها المدخن للحصول على جرعة النيكوتين، تحوم الشبهات حول 45 مادة منها، بأنها مواد مسرطنة، بل إن بعض هذه المواد قد ثبت بالفعل تسببها في تحول الخلايا الطبيعية إلى خلايا سرطانية. وأمام هذه الحقيقة، كان من المنطقي التفكير في طريقة ما يحصل بها المدخن على جرعة النيكوتين لإشباع إدمانه، وفي نفس الوقت تجنبه المخاطر الصحية الأخرى المصاحبة لبقية مكونات التبغ والدخان. وهذا التفكير نتجت عنه عدة منتجات منها لصقة النيكوتين، وعلكة النيكوتين، والسجائر الإلكترونية. وهذا المنتج الأخير، أو السجائر الإلكترونية، على رغم جذوره الممتدة إلى القرن الماضي، إلا أنه حصل على براءة الاختراع الدولية في شكله الحديث عام 2009 فقط. ومنذ ذلك التاريخ عرفت السجائر الإلكترونية شعبية واسعة، حيث يقدر حالياً أن أكثر من 700 ألف مدخن يستخدمونها في بريطانيا وحدها، مع توقع أن يصل عدد المستخدمين إلى مليون بريطاني في العام الحالي.
وعلى رغم الفائدة الصحية -أو بشكل أدق- قدرة السجائر الإلكترونية على تجنيب المدخنين الجزء الأكبر من التبعات الخطيرة للتدخين، إلا أنها لم تحظَ بعد بختم الموافقة النهائية من الجهات الطبية والصحية. وهو ما يتضح من موقف منظمة الصحة العالمية الصادر في سبتمبر عام 2008، والناص على أنه "لا تتوافر دراسات معمقة وموثقة، تثبت أن السجائر الإلكترونية تعتبر بديلًا آمناً وفعالاً، للحصول على النيكوتين. وفي الوقت الذي لا تستبعد فيه المنظمة احتمال أن تكون السجائر الإلكترونية خياراً فعالاً للمساعدة على التوقف عن التدخين، إلا أنها تصر على ضرورة دعم وإثبات المزاعم بأن السجائر الإلكترونية وسيلة فعالة للمساعدة على وقف التدخين، من خلال الدراسات السريرية وتحليلات السموم، وضمن الأطر التنظيمية المتعارف عليها". وخلاصة هذا الموقف هي أن المنطق الأولي يدعم فكرة السجائر الإلكترونية، كونها تمنح المدخن احتياجاته من النيكوتين، وفي نفس الوقت تجنبه الجزء الأعظم من المواد الكيميائية والدخان، وهما المسؤولان الرئيسيان عن الأمراض والعلل الناتجة عن التدخين. وإن كانت فعالية وسلامة وأمن الاستخدام طويل الأمد لهذا الأسلوب في الحصول على النيكوتين، لم تثبت بعد بالدراسات الطبية والأبحاث العلمية.