استنتج تقدير استخباراتي جديد أن الولايات المتحدة تتعرض لحملة تجسس إلكترونية ضخمة ومتواصلة، تستهدف قدرتها التنافسية، وفقاً لما جاء على لسان أشخاص اطلعوا على التقرير المرفق بذلك التقدير. يعرِّف " تقدير الاستخبارات الوطني" الصين، بأنها الدولة التي تسعى بأقصى قدر من الجرأة على اختراق منظومات الكمبيوتر المستخدمة من قبل المؤسسات والمشاريع الأميركية، للحصول على معلومات يمكن استخدامها لتحقيق مغانم في إطار تنافسها الشرس مع الولايات المتحدة في المجال الاقتصادي. والتقرير، الذي يضم حصيلة الآراء المجمع عليها من قبل مجتمع الاستخبارات الأميركي، يتناول طائفة واسعة من العوامل التي شكلت محوراً لحملات القراصنة خلال السنوات الخمس الماضية، والتي شملت الطاقة، والمالية، وتقنية المعلومات، والفضاء الجوي، وصناعة السيارات. والتقرير لا يحدد التأثير المالي للجاسوسية، بيد أن خبراء من خارج الحكومة، قدروا أنها تدور في حدود عشرات المليارات من الدولارات. والجاسوسية الإلكترونية التي كان ينظر إليها في السابق على أنها موجهة ضد الاستخبارات والمؤسسة العسكرية الأميركية بشكل رئيسي، ينظر إليها على نحو متزايد في الوقت الراهن بأنها تمثل تهديداً للمصالح الاقتصادية للأمة الأميركية. كمؤشر على تلك المخاوف، تسعى إدارة أوباما في الوقت الراهن إلى استخدام طرق ووسائل يمكن بها مواجهة سرقات الأسرار التجارية التي تتم عن طريق الإنترنت، وفقاً للمسؤولين الذين اطلعوا على التقرير المذكور ورفضوا الكشف عن هوياتهم بسبب درجة السرية المرتفعة التي يتسم بها. ويقول محللون إن خيارات إدارة أوباما تشمل الاحتجاجات الرسمية، وطرد أفراد السلك الدبلوماسي الصيني المتورطين في تلك السرقات، كما تشمل بالإضافة لذلك فرض حظر على السفر ومنح التأشيرات للبعض منهم، وتقديم شكاوى لمنظمة التجارة العالمية. يتضمن "تقدير الاستخبارات الوطني" أسماء ثلاث دول أخرى هي، روسيا، وإسرائيل، وفرنسا قامت وفقاً للتقرير بالتجسس من أجل الحصول على معلومات اقتصادية عن شركات ومؤسسات أميركية، ولكن الأنشطة التي قامت بها تلك الدول في هذا المجال تتضاءل بالمقارنة بالأنشطة الصينية. ولكن بكين ترفض الاتهامات الموجهة لها في هذا المجال بشدة قائلة بأن حكومة بكين لا تتسامح مع تلك الهجمات الإلكترونية، ولا تقوم هي بتنفيذها. ومن المعروف أن الصين ومنذ ثمانينيات القرن الماضي، قد جعلت من الحصول على التكنولوجيا الغربية- سواء بوسائل مشروعة أو غير مشروعة- هدفاً ثابتاً، بل ومحوراً لتخطيطها الاقتصادي التنموي، وساهم الانفجار في استخدامات الكمبيوتر إلى تقديم مساعدات كبيرة للصين في مجال نقل التقنية. وتسعى استخبارات الصين وكذلك شركاتها الخاصة- بشكل متكرر- إلى استغلال المواطنين الصينيين أو الأشخاص الذي يرتبطون بروابط عائلية مع صينيين، والذين يمكن أن يستخدموا قرابتهم أو قدرتهم على الوصول إلى شبكات الشركات والمؤسسات الأميركية، في سرقة الأسرار التجارية لتلك الشركات والمؤسسات باستخدام ما يعرف بذكرة الفلاش Thumb Drive أو البريد الإلكتروني، وغيرها من الوسائل المتطورة، وذلك وفقاً لتقرير صادر من "المكتب التنفيذي الوطني لمقاومة الجاسوسية". ويأتي تقدير الاستخبارات الوطني في وقت تقوم فيه الحكومة الأميركية ببذل جهد منسق لتطوير سياسات لمعالجة التهديدات الإلكترونية الموجهة للأمة الأميركية. واعترافاً منها بأهمية المشكلة وخطورتها، رفعت وزارة الخارجية الأميركية مستوى هذا الموضوع بحيث بات جزءاً من حوار الولايات المتحدة الأمني مع الصين، والذي يتم وفقاً لجداول زمنية محددة. وخلال العام الماضي دشنت وزارة العدل برنامجاً يهدف لتدريب 10 محققين على أساليب التحقيق في القضايا المتعلقة بالاختراق الإلكتروني المدعوم من قبل الحكومات الأجنبية، من زوايا عديدة، يمكن القول إن تلك الخطوات من جانب الإدارة تمثل رد فعل من جانب الإدارة الأميركية للاتهامات بالسلبية بشأن التصدي لهذا الموضوع من جانب خبراء متخصصين. حول هذه النقطة يقول مسؤول حكومي سابق رفض الكشف عن هويته: "إن المشكلة فيما يتعلق بالجاسوسية الإلكترونية لا تكمن في أنها تمثل تهديداً وجودياً، وإنما في كونها غير مرئية. وعدم الرؤية ذلك يشجع على عدم الفعل". وأضاف هذا المسؤول لما سبق قوله إن تقدير الاستخبارات الوطنية "سيساعد على علاج هذه الحالة"، من خلال "تحديد تفاصيل وملامح التهديد وحدوده" بعض الخبراء يقدرون تكلفة الجاسوسية الإلكترونية بأنها تتراوح ما بين 0.1 و0.5 في المئة من الناتج القومي الإجمالي وهو يعادل بلغة المال 25 مليار دولار إلى 100 مليار دولار.( ولكن اقتصاديين آخرين يرون- على الرغم من اعترافهم ابتداء بخطورة المشكلة- أن الرقم الحقيقي قد يكون أقل من ذلك بكثير). والبيت الأبيض على وشك إصدار تقرير مهم تحت مسمى"تقرير الأسرار التجارية" أشرفت على إعداده "فيكتوريا إسبينل" منسقة إنفاذ قانون الملكية الفكرية، سيعمل على تسليط الضوء على أهمية قيام الشركات الخاصة بالعمل مع الحكومة للحيلولة دون سرقة المعلومات بشكل تدريجي بحسب موظف لديه اطلاع على ذلك التقرير. من المتوقع أيضاً أن يصدر البيت الأبيض خلال هذا الأسبوع أمراً تنفيذياً عن الجاسوسية الإلكترونية يدعو لتحديد معايير ومستويات طوعية لمنظومات الكمبيوتر للشركات الخاصة؛ كما يدعو لتعزيز مستوى تقاسم المعلومات الخاصة بالتهديد من جانب الحكومة، مع اضطلاع الشركات الخاصة بالمساعدة على تأمين منظومات القطاع الخاص ضد الاختراقات الإلكترونية. ------- إلين ناكاشيما كاتبة أميركية ------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»