الاغتيال السِّياسي هو القتل أو التَّصفية الجسدية بسبب سياسي، ولنَّا تسمَّية كلِّ اغتيال لسبب ديني أو طائفي بالمزدوج، لأن الدَّافع السِّياسي هو الأرجح، وفي الأخير يسبق الغيلة بعد صدور فتوى قتل ضد المغتالين، وما أكثر فتاوى القتل بسبب ديني، سوى كانت تصدر غلسةً أو في مهرجان، مثلما حدث مع السِّياسي التُّونسي خصم النَّهضة الإسلامية شكري بلعيد. وعندما تكون فتوى، أو حكم، ويفوض العوام بتنفيذه، مثلما حدث مع فرج فودة، وشهد الشَّيخ محمد الغزالي (ت 1996)، ستمارس فوضى القتل، والنَّاس يغتالون بعضهم بعضاً، فإذا كان العراك بين أطراف إسلامية، مثلاً، فلكلٍّ منهم فقاؤه المفتون وجلاوزته المنفذون. فالغزالي على الرَّغم مِن تركه "الإخوان المسلمين"، وميله للوسطية- ليست على طريقة يوسف القرضاوي- تجرأ على الحق وشهد في المحكمة لصالح قتلة، بعد أن اعتبر فرج فودة مرتداً، عندما أفتى: "بجواز أن يقوم أفراد الأمة بإقامة الحدود عند تعطيلها، وإن كان هذا افتئاتا على حق السلطة، ولكن ليس عليه عقوبة وهذا يعني أنه لا يجوز قتل من قتل فرج فودة "(الموقع الرَّسمي للشَّيخ الغزالي). مع أن الشَّيخ كان موجوداً في المناظرة، التي قُتل إثرها فودة، وسمع الأخير يقول أمام الملأ: "الدِّين أسمى وأجل من توريطه في الحزبية والسِّياسة المباشرة"(فيديو المناظرة 1992). أقول: لست مؤهلاً أن اُذَكر الشَّيخ الغزالي، والمفتين بقتل المعارضين للإسلام السِّياسي، على اعتبار أنهم أصحاب العِلم والفقه، ويميلون إلى ما يحفظ الدِّماء، فمِن المفروض أن يتقنوا أدواتهم العلمية والفقهية، ولا يلعبون بالدِّماء، ألم تأت الآية واضحة وضوح الشَّمس: "أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ"(يونس 99)، والآية: "وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ"(المائدة: 5)، والآية: مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِن بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَن أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (النَّحل: 106). لم يفوض الله أحداً بالقتل، إنما أمره يرجع إليه. هذا في أقصى الحالات، وإلا ففودة لم ينبس بمفردة كفر بل كان مدافعاً عن الدِّين ضد تسييسه! فكيف أفتيتم بالقتل يا أباطرة الإسلام السِّياسي! كان عذر الغزالي المصري حسب لقائه بالشيخ جابر العلواني العِراقي، الذي لا يجد لحكم الردة مسوغاً: "إنقاذ الشَّباب القاتلين، فلو شهد خلاف ذلك لأعدموا" (العلواني على اليوتيوب). فالقصة إذن ليست غيرة على الدِّين إنما غيرة على القتلة وهم مِن ميليشيات الإسلام السِّياسي. أقول تلك بقيةُ مِن حسن البنا (اغتيل 1949) في الغزالي، مثلما قالها بحق أصحابه قتلة القاضي أحمد الخزندار: القتل "بحسن النِّية"(العساف، مع الإمام الشَّهيد حسن البنا). الاغتيال غير الغدر، فالثَّاني يحصل بعد إعطاء الأَمان، وعادة تنفذه سلطة أو عصابة أو عشيرة، وهو أسلوب منبوذ لأنه يجمع بين جريمتين: الخيانة والقتل. أما الاغتيال فيُسمى بالغيلة أيضاً، ويحصل خفيةً، وعادة يكون الغَوْل أو القاتل مجهولاً. وسميت العرب بُعد المفازة بالغَول "لأنه يغتال مَن يمرَّ به" (الجوهري، الصَّحاح). كذلك تُسمى السَّعالى بالغُوْل، "وكلُّ ما اغتال الإنسان وأهلكه فهو غُولٌ"(نفسه). وقيل "الغضب غُول الحلم". ولأنه يحدث، في الكثير مِن الحالات، تحت جنح الظَّلام عُرف بـ"البَيَات". لعلَّ أول اغتيال، بعد الإسلام، نُفذ بالخليفة عمر بن الخطاب (23 هـ)، مِن قِبل أبي لؤلؤة الفارسي، وعُرف بعد الحقبة الصَّفوية: بابا شجاع الدِّين، وشُيد له ضريح هناك، لشحذ العاطفة العرقية والطَّائفية. ثم الخليفة علي بن أبي طالب (40 هـ) مِن قبل عبد الرَّحمن بن ملجم الخارجي. واغتيل صاحب علي مالك الأشتر (37 هـ) مسموماً بالعسل، وأُتهم معاوية بن أبي سفيان(ت 60 هـ) به، بالتواطؤ مع دهقان القُلزم على طريق مصر، مقابل الإعفاء مِن الخراج، ولما مات الأشتر ووصل الخبر إلى معاوية قال: "إن لله جنوداً منها العسل"(المسعودي، مروج الذَّهب). واغتيال الزُّبير بن العَوام (36 هـ) له قصة مثيرة أيضاً، وقصص لا تُحصى ولا تُعد مِن الاغتيالات الدِّينية ذات الدَّوافع السِّياسية. لكثرة الاغتيالات وحوادثها المثيرة، وما دفعت به إلى حروب وثارات عبر التَّاريخ، صنف محمد بن حبيب (ت 245 هـ) كتاباً تحت عنوان: "أسماء المغتالين مِن الأشراف في الجاهلية والإسلام"؛ أو حسب تسمية آخرين له: "المقتولين غِيلةً"، ثم لحقه بكتاب "أسماء مَن قُتل مِن الشُّعراء"(هارون، نوادر المخطوطات). هذا وقد جمع المحامي والمحقق عبود الشَّالجي (ت 1996) أخبار العذاب والقتل وأنواعه وأساليبه المفزعة والاغتيال في كتاب جعله بعنوان "موسوعة العذاب"؛ انتقى نماذجَ منها مِن العهد اليوناني إلى العِراق 1958، نهاها بقتل العائلة المالكة. ولكثرتها قال: "أثبتنا في هذا المؤلف أهم حوادث الاغتيال إذ لا يتسع لها لو أردنا أن نلمَّ بجميعها"، عبر حوادث اغتال فيها الابن أبيه والأخ أخيه والصَّديق صديقه. إلا أن فرقة النَّزاريين، والتي تُسمَّى خطأً بالحشاشين، وهم مِن الإسماعيلية، اعتمدوا أسلوب الاغتيال أسلوباً رئيساً في تحركهم السِّياسي العنيف؛ لا يواجهون الجيوش بالجيوش، ولا يخوضون المعارك التقليدية، لذا صعب القضاء عليهم إلا باجتياح مغولي، واستمروا بقيادة حسن الصَّبَّاح (ت 518 هـ) لأكثر مِن قرنين يغتالون كبار موظفي الدَّولة، وخصومهم مِن العباسيين والفاطميين أنفسهم. بالمقابل هناك مِن الفرق السياسية الإسلامية فرقة حرمت الاغتيال، وهي "الأخنسية" مِن الخوارج جماعة أخنس بن قيس، كانوا "يحرمون الاغتيال والقتل في السِّر"(الأشعري، مقالات الإسلاميين). نعم، الاغتيال أوحش الأساليب، إن كان هناك تفضيل بين قتل وآخر، فهو المرعب المفزع، عاشه العِراقيون في حوادث شهيرة عُرفت بأبي طبر (1973)، وإذا كان القاتل معروفاً لدى النَّاس، ووضعت نهاية لخرافة صاحب الطُّبر، فهم يعيشون الآن زمن اغتيالات فردية وجماعية مريعة، اختلطت فيها السِّياسة والدِّيانة والمذهبية والنِّزاعات الشَّخصية، والقسوة كلُّ القسوة أن يغتالك مَن تستأمنه على دمك! فأكثر القتل والاغتيال بالعِراق اليوم جاء بفتاوٍ، مِن داخل الحدود وخارجها مسموعةً وغلسة، فيغلب على الظَّن أن قاتل النَّاشط الثَّقافي كامل شياع (أغسطس 2008)، ثم النَّاشط المعارض سلمياً هادي المهدي (فبراير 2011) نفذا بفتاوى الغلسة، ومِن فقهاء الأحزاب لأنهم فقهاء دِين أيضاً، ولعلها تُعلن يوماً ما بعبارة القتل "بحسن النِّية". فتأمل الحال!