من وقت إلى آخر تثير إيران زوبعة أو هرجاً ومرجاً في جزر الإمارات الثلاث التي تحتلها إيران، فمن زيارة رفسنجاني في العقد الأخير من القرن العشرين، ومعه وفد ضخم من كبار المسؤولين يصلح لزيارة دولة عظمى، إلى زيارة نجاد لأبو موسى عام 2012، وخطابه المبهم فيها، إلى ما أعلن مؤخراً عن اعتزام وفد من البرلمان كثير العدد إلى زيارة هذه الجزر، والحبل على الجرار، فلماذا تقوم إيران بكل ذلك، ولماذا هذه الاستفزازات المتكررة لدولة الإمارات؟ بقراءة متأنية لأوضاع إيران الداخلية، وتطور تداعيات ملفها النووي، يمكن القول إجمالاً إن إيران لا تقوم بمثل هذه الاستفزازات جزافاً، بل من أجل أن تحقق أهدافاً سياسية تعتقد بإمكانية تحقيقها بهذه الوسائل. فهي ترى أن هذه الاستفزازات ستوهم الشعب الإيراني بأن حكومته تحقق له شيئاً على صعيد السياسة الخارجية عن طريق لفت انتباه المجتمع الدولي إلى أن إيران ذات أدوار فعالة وفقاً للصيغة المعهودة "نحن هنا". إن الأهداف الإيرانية من التحرشات والاستفزازات التي تقوم بها في جزر الإمارات الثلاث، هي في الأساس لصرف أنظار أبناء الشعب الإيراني عن الأزمات المستفحلة والمتفاقمة التي تعاني منها إيران، وإلهائه عن خطورة الوضع الداخلي الذي يزداد سوءاً يوماً بعد يوم، فإيران تعاني من سلسلة لا منتهية من المشاكل والأزمات الداخلية. فأولاً، هي تعاني من تدهور اقتصادي رهيب على كافة الأصعدة، ومن غياب التنمية الاقتصادية القويمة الهادفة إلى انتشال الإنسان الإيراني من الأوضاع المعيشية المتردية التي يرزح تحت نيرها، وتردي قيمة العملة المحلية، ووصولها إلى حال باتت معها غير مقبولة لأي طرف لسداد قيمة المشتريات من الخارج. وثانياً، إيران تعاني من المقاطعة الاقتصادية الدولية شديدة الوطأة على الإنسان والمجتمع الإيراني. وثالثاً، هناك الانشقاقات والصراعات عميقة الجذور بين مكونات النخبة الدينية- السياسية الحاكمة. ورابعاً، توجد ورطة الملف النووي الذي أوقعت الحكومة نفسها فيه، والذي لا يبدو بأن حلاً مقنعاً له يلوح في الأفق على المدى المنظور. وخامساً، ضلوع إيران غير المبرر في شؤون الدول الأخرى ودعم منظمات وجهات يدور الكثير من الأحاديث حول ضلوعها في نشاطات ترتبط بالإرهاب. وسادساً، التذمر الشعبي وعدم الرضا من ممارسات النظام تجاه أبناء الشعب الإيراني. وفي تقديري، ما تقوم به إيران على النطاق الإقليمي، سواء كان ذلك في الجزر الإماراتية الثلاث المحتلة، أو تجاه جميع جيرانها الآخرين في الخليج العربي أو بحر قزوين أو وسط آسيا يدخل أيضاً ضمن بحث إيران الدؤوب لنفسها عن أدوار قيادية انطلاقاً من نظرتها إلى ذاتها بأنها أهم دول هذه المناطق، وهو أمر لا يبدو بأن المعطيات الحالية تؤهلها له وإن امتلكت أسلحة نووية، فالأسس التي تنطلق منها إيران من ذات نفسها، وتعتقد بأنها تعطيها أحقية في القيادة ليست واقعية، وتنطلق من أوهام تاريخية لاستعادة أمجاد الماضي السحيق، قوامها تصدير الثورة. وهذه معطيات ليست مقبولة لدى جميع الدول المحيطة بإيران، وتنظر إليها على أنها واهية، وتحتاج من إيران أن تعيد النظر بها وتنظر إلى واقعها الداخلي والإقليمي والدولي بمصداقية وواقعية أكبر.