الإفراج عن الأدب النسائي
دُعيتُ الأسبوع الماضي لإلقاء محاضرة على طالبات قسمي اللغة العربية والأدب الإنجليزي بجامعة عفّت الخاصة في جدة. وكانت المحاضرة تتضمن قيام الطالبات بطرح أسئلة حول الأدب النسائي السعودي، وعن مؤلفاتي الأدبية تحديداً ضمن مشروع دراسي كبير مقرر عليهن. وقد أسعدتني الدعوة وقبلتها على الفور كون الأدب النسائي من جهة ظلَّ عقوداً غير معترف بشرعيته في الأوساط الثقافية السعودية، ولم يتم لحد الآن وضعه ضمن مناهج الأدب العربي المعاصر! ومن جهة ثانية رغبت في الاستماع للأجيال الشابة ومعرفة استشرافهنّ لمستقبلهنّ من محتوى أسئلتهن المتنوعة.
بلا شك أن الأدب النسائي السعودي قد حقق قفزة واسعة خلال السنوات الأخيرة، واستطاع أن يُحدث انقلاباً ناعماً، ويترك بصمة أدبية بارزة مقارنة بالدول الخليجية الأخرى، وهذا يعود إلى أن السعودية مجتمع يضم أجناساً وأعراقاً متباينة، إضافة إلى أنه يشهد طوال الوقت حالة من الحراك الاجتماعي والاقتصادي والسياسي.
جعلتُ اسم محاضرتي (فن صناعة الحلم) لإدراكي بأن الفتيات في هذه المرحلة العمرية لم تزل الصورة ضبابية أمامهن. قلتُ لهن وأنا أتأمل صفحة وجوههن النضرة بأنني أرى في كل واحدة منهن شيئاً مني. وجدتُ عنفوان صبايا، وتمرّد شخصيتي بفترة المراهقة، وفضولي العارم لاكتشاف أغوار المجهول.
أول ما لفت انتباهي صبغة الحيرة التي كانت تُغلّف أسئلتهن، والتي كانت تصب جميعها في مجرى واحد... كيف أصنع حلمي رغم العوائق! حاولتُ بقدر استطاعتي أن أغرس نبتة الطمأنينة في أذهانهن، بأن الإنسان عليه أن يصنع حلمه دون أن يطرف له جفن، أو يرتجف خوفاً من فكرة الوقوع في براثن الفشل المؤلم. قصصتُ عليهن كيف كنتُ عنيدة في تتبع خيط حلمي منذ نعومة أظافري، إلى أن نجحتُ في القبض عليه، بالمثابرة والاجتهاد المتواصل والإيمان الراسخ بموهبتي.
أسترعى انتباهي سؤال إحداهن... هل زمانكن أجمل أم زماننا؟! أجبت باسمة بأنني محظوظة كوني عشتُ في زمن الألفة والدفء الأسري. محظوظة لأنني لم أعش في زمن التطرف الفكري ولا التناحر المذهبي والطائفي. محظوظة لأنه كان هناك مساحة للتواصل الاجتماعي قبل أن تجرفنا التكنولوجيا وراءها وتجعلنا أسرى لديها، وتُصبح هي الصديق الأوحد بالعيش في عالمها المذهل!
سألتني أخرى... أهلي لم يغرسوا فيَّ حب القراءة، ونفسي قصير في الاطلاع على منابع الأدب. كلما حاولتُ كتابة قصة قصيرة، تركتها قبل أن تكتمل، ولا أعرف ما السبب! وأخرى اتهمتني بأنني طوال الوقت أتحدّث عن الحب الصادم في قصصي ورواياتي، وأنني أتجاهل الوازع الديني في أدبي! أفهمتها بأنني لا أسعى في رواياتي وقصصي لكتابة رواية أخلاقية، فأنا لستُ بواعظة! وقد اعتدتُ على رسم شخصيات حقيقية من لحم ودم تُمارس حقّها الطبيعي في تذوّق تجارب الحياة.
طوال عمري لا أحبُّ نبرة النصائح، أشعر بأنها لا تفيد صاحبها، وأن التجارب الحياتية هي النبع الذي يستطيع أن يستقي منه الإنسان القدرة على التمييز، واختيار الطريق الذي يريده، لذا حرصتُ على أن يكون لقائي عفوياً مع الطالبات وخالياً من صبغة الأستاذية!
حين يصنع المرء حلمه، فهو لا يحتاج إلى إعلان عام ينشره عبر وسائل الإعلام، ليلتفت له الناس! كما أن الكتابة لم تكن بالنسبة لي يوماً فسحة ترفيهية أو مشهداً مسرحياً أؤديه ليلة واحدة على المسرح، كي أنتزع إعجاب الحضور ثم أغلق على نفسي باب حجرتي واستغرق في النوم! الكتابة بالنسبة لي مشروع حلم كبير، وحلمنا يحتاج إلى دفاع دائم ومستميت عنه، حتى لا ينتهي به الأمر إلى قبو ذاكرتنا سريعة النسيان!