مع تشكل فريق إدارة أوباما للسياسة الخارجية، والزيارتين المرتقبتين من قبل أوباما وكيري إلى الشرق الأوسط، هناك تجدد للآمال في رؤية حراك جديد بخصوص العملية السياسية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ونحن إذ نرحب بهذه التطورات، فإننا نعتقد أن فعالية الدور الأميركي في المنطقة تعتمد على سياسة قوية ومستمرة تدفع نحو تسوية النزاع، بدلا من الاكتفاء بتدبيره. وعلى رغم أن الانتخابات الإسرائيلية الأخيرة أظهرت كيف أصبح الإسرائيليون سلبيين وغير مكترثين بشأن حل النزاع مع الفلسطينيين، إلا أنني أعتقد أن العديد من المراقبين الخارجيين يسيئون قراءة الوضع. ذلك أن الجمهور الإسرائيلي معزول، بل محجوب من رؤية الخطر الكبير والوشيك الذي سيواجه إسرائيل إذا ما انهار حل الدولتين، والهدوء النسبي إلى جانب الرخاء الاقتصادي يساهمان في إعطاء انطباع خاطئ بأن كل شيء على ما يرام، في حين أن الواقع مغاير لذلك تماماً. فعلى الجانب الإسرائيلي، يدمر البناء المستمر للمستوطنات غير القانونية وحقائق أخرى على الأرض، مثل الجدار الذي تبنيه إسرائيل في الضفة الغربية، آفاق وفرص نجاح حل الدولتين ويدفع الشعبين، قسراً، نحو حل دولة واحدة بدلا من ذلك. والحال أن التوقعات الديموغرافية تشير إلى أن الفلسطينيين وغير اليهود سيصبحون في المستقبل القريب أغلبية في كل المناطق الخاضعة لسيطرة إسرائيل. وإذا ما تحقق ذلك، فإن الإسرائيليين سيجدون أنفسهم أمام خيارين اثنين لا ثالث لهما، وكلاهما غير جذاب بالنسبة لهم: إما منح الجنسية وحقوق متساوية لكل من يوجد تحت سلطتهم بغض النظر عن إثنيته (وهو ما من شأنه أن يدمر الهوية التي تسعى إليها إسرائيل)، أو الإبقاء على الوضع الراهن وخلق دولة عنصرية وغير ديمقراطية. أما على الجانب الفلسطيني، فالأمل مشوب بخوف من المستقبل. إذ على رغم استمرار الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن القيادة الفلسطينية تبنت ثقافة اللاعنف. وهذا ما عكسه خوض سجناء سياسيين فلسطينيين لإضراب عن الطعام، ونصب قرويين لخيام من أجل الاحتجاج على مصادرة الأرض الفلسطينية. كما أن انضمام فلسطين إلى الأمم المتحدة كدولة مراقب غير عضو يندرج أيضاً ضمن إطار الكفاح السياسي والدبلوماسي السلمي. وبالطبع، فإن أحد التحديات الرئيسية التي تواجهنا كفلسطينيين هو إنهاء الانقسامات الداخلية، ونحن نعمل على ذلك. غير أن المثير للسخرية هو أنه كلما جنح الفلسطينيون إلى الوسائل الدبلوماسية التي تنبذ العنف، كلما ردت إسرائيل على ذلك بالتوسيع غير القانوني للمستوطنات والقيود والعنف ضد الفلسطينيين. إن إمكانيات حصول اتفاق موجودة ومتوافرة، وعلينا فقط أن نخلق لها الظروف حتى تنجح. وفي هذا الصدد، يستطيع الطرفان البناء على التقدم الذي يأتى منذ مفاوضات طابا عام 2001، علماً بأن الجميع يعرف الخطوط العريضة لأي اتفاق: دولة فلسطينية تقوم على حدود عام 1967 مع تبادل للأراضي متفق عليه من الجانبين ومتشابه من حيث الحجم والجودة، وعاصمة مشتركة في القدس، واتفاقات أمنية مقبولة، وتسوية عادلة ومتفق عليها لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين بناءً على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194. والأكيد أن نجاح أي عملية سياسية يتوقف على اختصاصات واضحة، وإطار زمني واضح، ومرحلة أخيرة واضحة أيضاً. إن الفلسطينيين لا يرغبون في تكرار الجهود الفاشلة، بل هم في حاجة لرؤية نتائج ملموسة تشير إلى أن الاحتلال آخذ في التفكك والزوال. والحال أن إسرائيل اليوم ليس لديها أي حافز لإنهاء النزاع. ولذلك، فإن الجمهور الإسرائيلي في حاجة إلى أن يتم تذكيره بالنتائج الوخيمة التي ستواجهها كل الأطراف في حال سُمح للنزاع بالتفاقم والتدهور. ولذلك أيضاً يتعين على الولايات المتحدة وشركائها أن يضطلعوا بدور قيادي في الإبقاء على الطرفين مركزين على نتيجة واحدة: دولتان -إسرائيل وفلسطين- تعيشان جنباً إلى جنب في أمن وسلام داخل حدود معترف بها دولياً. إن الانخراط الأميركي رفيع المستوى الآن، في بداية هذه الولاية الثانية، يبعث برسالة التزام واضحة لجميع الأطراف. غير أنه ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لمحاسبة كل الأطراف على نحو متساوٍ، فإن احتمالات النجاح ستكون ضئيلة في أحسن الأحوال. ولذلك، يتعين على أوباما أن يستثمر وقتاً كافياً للتحقق من أن الجهود ستؤتي أكلها، لأن مقاربة منحازة أو مترددة أو خجولة لن تعمل إلا على إعادة خلق الظروف التي جعلتنا نعلق أصلا. والمثير للاهتمام هو أن هناك فيلمين حول الشرق الأوسط هذا العام مرشحين لجائزة الأوسكار ضمن فئة الأفلام الوثائقية، حيث يمثل فيلم "خمس كاميرات مكسورة" المنظور الفلسطيني، في حين يعكس فيلم "حراس البوابة" المنظور الإسرائيلي. وعلى رغم أن كل فيلم مختلف عن الآخر، إلا أنهما يخلصان إلى النتيجة نفسها: أن الاحتلال الإسرائيلي دام لفترة أطول مما ينبغي. وإذا كانت هوليود قد فهمت ذلك، فحري بواشنطن أن تفهمه أيضاً. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ معن رشيد عريقات ممثل الوفد العام لمنظمة التحرير الفلسطينية لدى الولايات المتحدة ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»