حقائق حول مستجدات النفط
مرة أخرى تتداخل الحقائق حول مستقبل الطاقة، وفي المقدمة منها النفط الذي لا يزال يشكل، وسيشكل في المستقبل المنظور، المصدر الأساسي للطاقة، علماً بأن هذه الحقائق تهم كافة بلدان العالم، إلا أن المعني بها بصورة أساسية البلدان المنتجة للنفط بسبب ارتباط عملية التنمية فيها بعائدات النفط التي تعتبر الممول الأول لمشاريع التنمية.
وبعد الحديث المتكرر في الآونة الأخيرة حول الاكتفاء الذاتي الأميركي من النفط بحلول عام 2020 الذي نوه إليه من بين العديد من المهتمين الرئيس الأميركي أوباما، حيث اتضح أنه مبالغ فيه بدرجة كبيرة، إذ إن زيادة إنتاج النفط والغاز الصخري في الولايات المتحدة ستقلص واردات النفط الأميركية من 13 مليون برميل يومياً في الوقت الحاضر إلى 5 ملايين برميل في عام 2020، إلا أنه لن يحول الولايات المتحدة إلى دولة مصدرة أو حتى مكتفية من النفط بعد سبع سنوات من الآن.
وقد تزامن ذلك مع محتوى تقرير أصدرته وكالة «ستاندرد أند بورز» الأسبوع الماضي وأشارت فيه إلى أن احتياطي النفط في السعودية سيستمر لمدة 170 عاماً، مقابل 90 عاماً في كل من الإمارات والكويت، وهذه بدورها معلومات بحاجة إلى توضيح حتى لا يتم تفسيرها بصورة مطلقة، فالنفط لن يستمر المصدر الرئيسي للطاقة لمدة 170 عاماً، إذ إن التغيرات السريعة في مجال الإنتاج، وبالأخص إنتاج الطاقة المتجددة ستؤدي إلى حدوث تغيرات نوعية في ميزان الطاقة العالمي، والتي تأتي من ضمنها إزاحة النفط من قمة الهرم حالياً لصالح المصادر المتجددة، كما أزيح من قبله الفحم الحجري.
هذا أولًا، أما ثانياً، فإن الاحتياطيات المكتشفة حتى الآن من النفط ستكفي العالم وفق معدلات الاستهلاك الحالية لمدة أربعين عاماً فقط، أي حتى عام 2050، وفق شركة النفط البريطانية، وهو التقدير الصحيح الذي يمكن على أساسه احتساب العمر الافتراضي للاحتياطيات، إذ لابد للبلدان المنتجة أن ترفع الإنتاج لتلبي الطلب حتى لا تتدهور الأوضاع الاقتصادية في العالم ويصاب الاقتصاد العالمي بكارثة، حيث استجابت دول الخليج العربية، وتعاونت مع المجتمع الدولي في العديد من الأوقات العصيبة فزادت إنتاجها لتلبية الطلب عندما توقف الإنتاج العراقي وعندما حلت كوارث طبيعية بالعديد من مكامن الإنتاج، مما يعني أن إنتاج النفط سيرتفع في السنوات القادمة، ليلبي الطلب العالمي المتزايد بغض النظر عن مدى حاجة البلدان المنتجة لعائدات إضافية.
ويبدو أن دول مجلس التعاون الخليجي تدرك هذه الحقائق بدليل أنها تعمل في الوقت الحاضر باتجاهين متزامنين، الأول هو العمل على تنويع مصادر الدخل من خلال تنمية القطاعات غير النفطية، ومع أن هذا التوجه تتفاوت سرعته بين دولة خليجية وأخرى، إلا أنه يشكل هاجساً لكافة هذه الدول.
وفي نفس الوقت تسعى دول المجلس وبكثافة أكبر لتطوير مصادر الطاقة البديلة، وذلك ضمن استعداداتها لمرحلة ما بعد النفط، ففي غضون أربع سنوات ستبدأ محطات الطاقة النووية بالعمل في إنتاج الطاقة الكهربائية في دولة الإمارات، وذلك إلى جانب عمل محطات الطاقة الشمسية، مما يمكن الإمارات من تلبية جزء كبير من احتياجاتها من الطاقة من مصادر بديلة.
وبعد ثلاث سنوات من ذلك التاريخ ستسير السعودية على الطريق نفسه، حيث ستبدأ العمل بمحطات الطاقة النووية في عام 2020، ليتزامن معها عمل محطات الطاقة الشمسية، مما سيؤدي إلى أن تتمكن السعودية من تلبية ما نسبته 50 في المئة من احتياجاتها من الطاقة والمياه بالطاقة النووية والمتجددة بحلول عام 2032، لتتبعهما قطر وبقية دول المجلس في فترة لاحقة.
ولذلك من المهم أن تكون لدول مجلس التعاون برامجها في مجال الطاقة بغض النظر عما تنشره بعض المؤسسات التي تحاول التأثير في الأسواق والإمدادات والأسعار من خلال تسريب أخبار ونتائج دراسات غير دقيقة وربما مبنية على أسس ومعطيات ضعيفة. ومن هنا تأتي أهمية وجود مراكز أبحاث متخصصة في دول المجلس لتحليل نتائج الدراسات والبيانات والمعطيات الخاصة ليس بصناعة الطاقة فحسب، وإنما بالتطورات في مجال التجارة والنقد والمال والغيرات الاقتصادية وتأثيراتها، وذلك للخروج بتصورات صحيحة تخدم التوجهات التنموية لدول المجلس.