فيما تقترب الذكرى العاشرة للإطاحة بنظام صدام هناك خلاصتان يمكن استخلاصهما، أولاً أنه على رغم كل المصاعب التي عاناها العراق والعراقيون يبقى الوضع أفضل بكثير مما كان عليه تحت عهد الديكتاتور، وكما نرى من خلال «الربيع العربي» دائماً ما تعاني البلدان التي تحررت من الاستبداد من مراحل انتقالية صعبة، ولكن مع ذلك يظل التقدم ممكناً عندما يُحَدد مصير بلد من قبل إرادة شعبه، وليس من خلال مزاج قائده، والخلاصة الثانية أن الشراكة بعيدة المدى مع الولايات المتحدة ضرورية لكلا البلدين، فبعد سنوات من الانخراط الأميركي في الشأن العراقي شرعنا في تطوير ما وصفه أوباما «بالعلاقة الطبيعية بين أمتين تتمتعان بالسيادة القائمة على شراكة متساوية تسندها المصالح المشتركة والاحترام المتبادل». وبالطبع تطفو أحياناً إلى السطح خلافات حول بعض النقاط مثل انشغال العراق بانتقال سلمي ومنظم في سوريا ومسألة التوصل إلى تسوية سلمية للملف النووي الإيراني، إلا أن نقاط التوافق بين أميركا والعراق أكبر من أوجه الاختلاف، وحتى في اللحظات التي تتباين فيها وجهات النظر نعرف جيداً أنه يمكننا التوصل إلى أرضية مشتركة. وباستعراض تاريخ العراق الحديث قد لا نجد من بين دول العالم من واجه التحديات الجسيمة التي تصدى لها العراق، فخلال حكم صدام خاضت البلاد ثلاث حروب، وعانت من إرهاب الدولة، والصراعات العرقية والدينية، فضلًا عن العزلة الدولية التي أعاقت تطوير صناعتنا النفطية، وكبلت مجمل الاقتصاد العراقي. ولكن على رغم هذه التحديات شرعنا في بناء حكومة شاملة بتنظيم انتخابات حرة، وتأسيس قضاء مستقل، وبناء مجتمع مدني قوي واقتصاد قائم على السوق الحرة، والأهم من ذلك استطاع العراق الحد من العنف الذي وصل أوجه بين عامي 2006 و2007، والنتيجة أن اقتصادنا استعاد وتيرة نموه، حيث ارتفع الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 إلى 9,6 في المئة، وفي هذا الإطار علينا ألا ننسى أبداً التضحيات والخدمات الجليلة التي بذلها العراق حتى بدأ كتابة فصل جديد في تاريخه، حيث قتل وجرح عدد كبير من العراقيين. ومن بين مليون أميركي خدموا في العراق فقد 4500 جندي حياتهم، فيما جرح أكثر من 33 ألفاً آخرون. واليوم حان الوقت للكف عن النظر إلى العراق كساحة معركة والتعامل معه كبلد مهم في المنطقه وقادر على تعزيز الاستقرار الإقليمي ونمو الأسواق العالمية. كما أن الوقت حان كي يندد المجتمع الدولي بالهجمات الإرهابية التي تستهدف المدنيين العراقيين. ونحن نستنكر الأيديولوجيات التي تضفي الشرعية على الكراهية وتشجع على عدم التسامح. ولا يفوتني أن أوكد هنا أن الشراكة مع الولايات المتحدة هي إحدى ركائز السياسة الخارجية للعراق، بل كانت إحدى أهم المهام التي كلفت بها عندما توليت منصبي كسفير عراقي لدى الولايات المتحدة. وهذه الشراكة تبدأ بالانشغالات الأمنية ولكنها لا تقف عندها، حيث تمتد إلى قضايا الطاقة والاقتصاد والتعليم وتقديم نموذج للانتقال الناجح من الديكتاتورية إلى ديمقراطية متعددة العرقيات تعتمد على اقتصاد السوق، وهو نموذج مهم تقديمه لمنطقة مضطربة. وإذا كان العراق يعتمد على قدراته الأمنية الخاصة لمواجهة التحديات، إلا أنه في حاجة إلى الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب وذلك من خلال تجهيز قواتنا وتدريبها والمشاركة في دعم الاستقرار في المنطقة. وبموجب اتفاقية الأطر الاستراتيجية بين أميركا والعراق هناك عمل مشترك بين الجانبين لتطوير جيش عراقي عصري قادر على حماية نفسه والدفاع عن الحدود. -------- جابر حبيب السفير العراقي لدى الولايات المتحدة -------- ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشونال»