قامت جماعة الزرقاوي "الإرهابية" في العراق بتطوير سلاح جديد شديد التأثير. وهذا السلاح لا يتطلب ذخائر، كما لا يتطلب انتحاريين متعصبين، ولا يتضمن أي قدر من المخاطرة بحياة "الإرهابيين"، أو احتمال للقبض عليهم كما يوفر أيضاً المال اللازم لتمويل العمليات الأخرى التي تقوم بها الجماعة.
هذا السلاح هو الخطف المعلن عنه بالصوت والصورة . فالصور التي تظهر الضحايا المساكين، وهم يتوسلون أمام الكاميرات من أجل إنقاذ حياتهم، تؤدي إلى إطلاق سلسلة من التغطيات الإعلامية اللاحقة التي يظهر فيها أبناء المخطوفين وزوجاتهم وهم يبكون ويلتمسون من الخاطفين الرحمة بذويهم. وغالباً ما تنتهي تلك التغطيات الإعلامية بقيام "الزرقاوي" بفصل رأس أحد هؤلاء الضحايا بشكل سادي ومقزز.
بالنسبة لـ"الإرهابيين" يعتبر تكتيك الخطف مربحاً مئة في المئة. فإذا ما تم دفع فدية من قبل المقاول الخاص من أجل الإفراج عن الرهينة، فإن الأموال التي يتم الحصول عليها من هذا الطريق تستخدم في شراء المزيد من الأسلحة أو مدافع الهاون. وإذا ما أسفرت عملية الخطف عن قيام إحدى الدول بسحب قواتها من العراق- وهو ما حدث بالفعل- فإن ذلك يعد انتصاراً دبلوماسياً للخاطفين من ناحية، كما أنه يؤدي إلى تثبيط همة باقي دول التحالف الموجودة في العراق.
أما إذا لم يتم دفع فدية، ولم تقم الدولة التابع لها الضحية بسحب قواتها من العراق، فإن قطع رأس الضحية، وتصوير ذلك على شريط فيديو، كفيل ببث الرعب في قلوب المشاهدين، الذين يكاد الدم يتجمَّد في عروقهم وهم يطالعون تلك المشاهد المفزعة.
ولكن سلاح الاختطاف لا يحقق دائماً النتائج الدعائية المرجوة منه. وحول هذه النقطة كتب "جون بيرنز" مراسل صحيفة "التايمز" البريطانية من بغداد في برنامج "ساعة الأخبار" لمحطة "بي. بي. إس" يقول:"إن جرائم القتل البشعة التي يرتكبها الإرهابيون تملأ نفوس العراقيين المتحضرين بالتقزز العميق، كما أنها تذكر الكثيرين منهم بممارسات بتر الأيادي وقطع الألسنة التي كان يمارسها زبانية صدام لقمع المقاومة ضد نظامه".
ولكن مما لا شك فيه أيضاً أن تلك الممارسات البشعة تخيف الكثير من العراقيين، وأنها تستغل وسائل الإعلام في ترويع الملايين من أبناء الشعوب التي نحتاج إلى دعمها، حتى نستطيع القضاء على هؤلاء "الإرهابيين" في نهاية المطاف.
ولكن ليس معنى هذا أن يتم إصدار تعليمات للمخبرين والمحررين الصحفيين بعدم إعطاء مساحة كبيرة لتلك الجرائم البشعة وما يرتبط بها من مشاهد عنف وقسوة وموت، ولا معناه أيضاً أن تمتنع وسائل الإعلام عن تقديم الروايات الخبرية المتعلقة بمقابلة عائلات تلك الضحايا، ولا المسيرات التي تنظم لتكريم ذكراهم، لأن الحرب تقترن دائماً بالتضحيات. ولكن الصحفيين المسؤولين مطالبون مع ذلك بإعادة النظر في مسألة سماحهم لـ"الإرهابيين" الذين يدركون أهمية وسائل الإعلام باستغلالهم على هذا النحو من أجل تحقيق أهدافهم.
يجب على هؤلاء الصحفيين عدم تبني المقولات التي تقول مثلا "إن إثارة المشاعر هي التي تحقق قصب السبق على التلفزيون... وكلما كانت الصورة دموية كلما حظيت بأولوية في نشرات الأخبار".
لا خلاف على أن المشاهدين ينجذبون إلى أخبار وصور المقابلات التي تجرى مع أهالي المختطفين وزوجاتهم وأبنائهم وهم يتوسلون ويبكون، ولا خلاف على أن أصحاب مواقع الصحافة الإليكترونية يحققون خبطات صحفية من نشر الصور الأشد بشاعة في مواقعهم، ولا شك أن نسبة مشاهدي الفضائيات التي تقوم باستثارة شفقة المشاهدين بسبب هذه الدراما التي خلقتها شبكة أبو مصعب الزرقاوي "الإرهابية"، تتزايد بشكل كبير: ففي البداية يأتي التقرير الخبري عن حادثة الخطف، وبعد ذلك التوسلات من قبل المختطفين الراكعين على أقدامهم، وبعد ذلك صور المسيرات والجهود التي تبذل لجمع مبلغ الفدية، وفي النهاية وفي أربع حالات من خمس، يتم تسليم الجثث الممزقة، ثم عرض "الإرهابيين" وهم يعلنون بتشفٍّ مسؤوليتهم عن القيام بمثل تلك الأعمال.
ولكن هل يتعين علينا أن نكون أداة في أيدي هؤلاء الإرهابيين؟ نعم نحن ملزمون بتغطية أخبار تلك الحوادث، ولكن هل يجب أن نقوم بتغطية كل تفصيل من تفصيلاتها المرعبة والمقززة وبذلك نحقق أهداف "الإرهابيين"؟!
نحن نعرف أن الهدف الأول من أهداف سلاح الخطف هو طرد قوات التحالف من العراق، ومنع إقامة انتخابات حرة هناك. ونعرف أيضاً أن سلاح الخطف موجه كذلك إلى الانتخابات الأميركية. أما الشيء الذي لا نعرفه على وجه اليقين فهو مدى التأثير الذي يمكن أن يحدثه التركيز الإعلامي عليها على الناخب. فهل سيكون رد فعل الأميركيين على كل أنواع الخطف هو نفس رد الفعل المتسم بالتقزز من الوحشية دائماً، مما يعني أنهم سيتحولون إى تأييد المرشح المصمم على استئصال شأفة هؤلاء البرابرة؟. أم أن التركيز على تلك الحوادث يمكن أن يكون سبباً في نظرتهم إلى العراقيين على أنهم شعب غير متحضر ولا أمل في انتشاله من وهدته، ومن ثم يقومون بالتحول إلى المرشح