أدت التهديدات الأخيرة من كوريا الشمالية، إلى تراجع إدارة أوباما عن بعض قراراتها السابقة، والعمل على حشد الدفاعات الصاروخية الأميركية. ورغم أن التصحيح يعد أمراً مرحباً به، فإن التطورات التي حققتها كوريا الشمالية في مجال الصواريخ، وتجاربها النووية تحت الأرض، كان يجب أن تدفع أوباما لإعادة التفكير في مقاربته بشأن السياسة النووية، والإقرار بأنه لم يكن واقعياً عندما تبني هدف «عالم خال من الأسلحة النووية». وبصرف النظر عن النوايا التي يمكن أن تكون قد شكلت دافعاً لخطاب أوباما عن «الصفر النووي»، فإن التأثيرات العملية لتبني هذا الشعار ضارة بكل تأكيد. والهدف الخاص بتقليص إمكانية نشوب حرب نووية لن يخدم الرئيس في حديثه عن الموضوع عندما يبدو منفصلاً عن الواقع. نحن جزء من فريق مكون من 20 خبيراً يتمتعون بخبرة هائلة في مجال الأمن القومي، والسياسات الدفاعية، بعثوا مؤخراً رسالةً مفتوحة للرئيس، رأينا فيها أن الثالوث الأميركي المكون من أسلحة نووية تطلق من قواعد أرضية، والأسلحة النووية التي تطلق بواسطة غواصات، والأسلحة النووية التي تطلق بقاذفات، ساعد على ضمان الاستقرار الاستراتيجي، وعدم انتشار تلك النوعية من الأسلحة. وقد حذرنا في تلك الرسالة من أن إثارة الشكوك حول فعالية واستمرارية رادعنا النووي قد تجعل أعداءنا أكثر جرأة، كما تشجع أصدقاءنا على بناء ترسانتهم النووية الخاصة. وعندما يتحدث مسؤولو الإدارة عن الأسلحة النووية، فإنهم يركزون غالباً على المستمعين الذين يروقهم الحديث عن نزع السلاح النووي، خصوصاً سلاح الولايات المتحدة. ومن هنا نسمع عن معارضة الإدارة لـ(1) تطوير رؤوس نووية جديدة، (2) معارضتها لاختبار رؤوسنا النووية مجدداً، (3) دعم معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، (4) دعم خفض كبير في القوة النووية، (5) السعي لتوقيع معاهدة جديدة مع روسيا لجعل ذلك الخفض متطلباً قانونياً، (6) توجيه ملاحظات بإجراء استقطاعات في تمويل البنية النووية الأميركية، (7) اعتماد سياسة «الصفر النووي» التي يرى أوباما أنه عندما يعتمدها فستساعده على ممارسة «القيادة» ومعارضة الانتشار النووي، خصوصاً من قبل إيران وكوريا الشمالية. لكن تلك السياسات لم تحقق الفوائد المرتجى تحقيقها، فكوريا الشمالية وإيران تطوران برامجهما الخاصة بإنتاج الأسلحة النووية، وبرامجهما لتطوير صواريخ طويلة المدى قادرة على حمل رؤوس نووية. لقد أخفق أوباما في أن يزن بدقة الآثار السلبية لسياساته وخطابه عن الأسلحة النووية، على العديد من الحلفاء والشركاء الذين اعتمدوا لعقود طويلة على المظلة النووية الأميركية في أمنهم. وإذا ما بدأت دول مثل كوريا الجنوبية، واليابان، وتايوان، وأستراليا... تأمين نفسها، وتطوير أسلحتها النووية، فإن العالم سيتحول لمكان أكثر خطورة بكثير. إن توجيه الخطاب لمستمعين معينين يروقهم سماع حديث الحد من الانتشار النووي يمثل ممارسة ليست من دون ثمن. وهذا الثمن هو إرباك مسؤولين في دول اقتنعت لسنوات طويلة بالتخلي عن الأسلحة النووية، لأنه كان بمقدورها الاعتماد على الولايات المتحدة في توفير الأمن الضروري. وهذا الاعتماد، خدم مصالح تلك الدول، وخدم مصالح الولايات المتحدة في الآن ذاته، كما نجح في احتواء خطر الحرب النووية، وحافظ على نظام عدم الانتشار النووي. وإصرار أوباما على إجراء تخفيضات كبرى في ترسانة الولايات المتحدة النووية، أمر ينبغي النظر إليه من هذا المنظور. وسوف يكون أوباما أكثر حكمة إذا ما وفّى بتعهداته خلال مناقشات التصديق على معاهدة «ستارت» الجديدة مع روسيا، وعمل على تحديث الأركان الثلاثة للثالوث النووي الأميركي، وضمان سلامة، وفعالية، وقدرة الردع الخاصة بتلك الأسلحة، وإعادة بناء القاعدة الصناعية الحيوية التي تدعم تلك القوات. إنه لأمر جيد للغاية بالنسبة لإدارة أوباما، أن تسعى للحصول على مزيد من الدعم الدولي لسياساتها الخاصة بالضغط من أجل إغلاق البرامج النووية لكوريا الشمالية وإيران، لكن لا معنى للقيام بذلك عبر سياسات تعرض المظلة النووية الأميركية ذاتها للخطر. فباسم معارضة الانتشار النووي، وتعزيز التعاون الدولي، والدفاع عن السلام، تبنى أوباما سياسة «الصفر النووي» وطائفة أخرى من السياسات النووية التي قد تؤدي إلى تشجيع الانتشار النووي، وتعريض تحالفات الولايات المتحدة للضرر، وزيادة خطر اندلاع حرب نووية يوماً ما. إن أسوأ خطأ تقع فيه الحكومات ليس الإخفاق في تحقيق أهدافها، وإنما تحقيق العكس مما كانت تنتويه في الأصل. دوجلاس فيث وكيل وزارة الدفاع الأميركية لشؤون السياسات 2001- 2005 فرانك جيه. جافني رئيس مركز السياسات الدفاعية الأدميرال جيمس آيه ليونز قائد الأسطول الأميركي في المحيط الهادي 1985-1987 روبرت جيمس ووسلي مدير الاستخبارات المركزية الأميركية 1993-1995 ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»