كما جرت العادة، وفي شهر مارس منذ ما يقرب من إثني عشر عاماً، انعقدت في الأسبوع الماضي القمة العربية، وهي هذه المرة القمة الرابعة والعشرون، وقد التأمت في العاصمة القطرية الدوحة. المرة الأخيرة التي عقدت فيها مثل هذه القمة في الدوحة، كانت بحضور القذافي، والذي كعادته في البحث عن الإثارة ولفت الانتباه، وصل بعد الافتتاح، ليقاطع أمير قطر بخطاب ديماغوجي عن استعداده للصلح مع «أخيه» الملك عبدالله، عاهل السعودية، وبتلك الحيلة استطاع القذافي سرقة الأضواء في الجلسة الافتتاحية، لكنه لم يكتف بذلك، بل ترك الجلسة الافتتاحية مبكراً واتجه للتجول في أحد متاحف الدوحة. غابت الإثارة إذن عن القمة الرابعة والعشرين، وذلك بسبب روتينية الموضوعات التي يحتوي عليها جدول الأعمال من قمة إلى أخرى، وهو عكس المخطط أصلاً وكذلك المأمول من مبدأ عقد قمة، لذلك فإن جدول الأعمال -كما هو الحال في البيان الختامي أيضاً- يحتوي على البنود نفسها التي نراها في مؤتمرات القمم السابقة، فهناك بالطبع القضية الفلسطينية، وتكرار الكلام حولها باعتبارها تمثل قضية العرب الأولى، وقد يكون الجديد بعض الشيء هو الإصرار على إتمام عملية المصالحة الوطنية الفلسطينية عبر الدعوة إلى عقد قمة عربية مصغرة في القاهرة، وهو اعتراف ضمني بمحدودية الدور المصري حالياً وفتح الباب للدور القطري أكثر فأكثر. وهناك أيضاً الإصرار على عملية التكامل الاقتصادي بين الدول العربية، وتكرار الكلام على أن هذا هو السبيل المنطقي إن لم يكن الوحيد لتقدم العالم العربي ككل، وهو أيضاً كلام تم تكراره أكثر من مرة في كل القمم السابقة تقريباً. ثم إن هناك أيضاً التكرار نفسه حول أهمية إصلاح الجامعة العربية ومنظومة العمل العربي المشترك، والتذكير بأن الجامعة نفسها قد تم إنشاؤها قبل الأمم المتحدة، أي منذ 68 عاماً، وكأن الشعوب العربية تحتاج فعلاً لمن يقنعها بأن هذا الإصلاح ضروري، وهي التي تطالب به منذ عدة سنوات. باختصار، لقد أصبحت بيانات القمم العربية مملةً في أحيان كثيرة، ليس فقط بسبب تكرار البنود والموضوعات، ولكن بسبب إيرادها ضمن الصيغ الإنشائية نفسها وحتى الكلمات. هل هناك إذن من جديد؟ أولاً: هناك بعض الرؤساء الذين حضروا مؤتمر قمة الدوحة لأول مرة، وفي مقدمتهم بالطبع الرئيس المصري، لكن لا يبدو أن هذه المشاركة كانت بالفعل «حضوراً»، خاصة من حيث القدرة على التأثير في توجهات القمة وقراراتها بطريقة خاصة، فقد كرّر الكلام الروتيني عن أهمية القضية الفلسطينية وكذلك العمل العربي المشترك. وقد يكون الجزء الجديد نسبياً هو اقتراح عقد مؤتمر عن المرأة العربية وحقوقها في النصف الثاني من هذا العام، وهناك فعلاً منظمة متخصصة داخل الجامعة العربية، وهي منظمة المرأة العربية ومقرها القاهرة، وتقوم بعمل أبحاث وحتى مؤتمرات قمة تحضرها الكثير من السيدات الأوائل، ومن المفروض إذن أن تقوم هذه المنظمة بالتحضير لمثل هذه القمة، إذ من الصعب أن يكون هناك مؤتمر قمة عن المرأة العربية دون أن تقوم المرأة العربية ومنظمتها بالتخطيط له وإدارة أعماله ثم تنفيذ قراراته، لكن لنرى ماذا سيكون مصير اقتراح الدكتور مرسي في هذا الخصوص. ثانياً: هناك بعض القرارات المحددة والتي تم إقرارها فوراً دون اللجوء للجان أو ورش العمل، ومن أمثلة هذه القرارات قرار إنشاء صندوق لدعم القدس بقيمة مليار دولار، ثم إعلان قطر المساهمة فوراً بربع هذا المبلغ، أي 250 مليون دولار، ثم تحديد جهة مسؤولة تقوم بالإشراف على هذه المهمة، وهي البنك الإسلامي للتنمية التابع لمنظمة التعاون الإسلامي. ثالثاً: لكن أهم القرارات المحددة في رأيي هو ذلك الذي وضع حداً لشغور مقعد سوريا في الجامعة منذ عدة أشهر، حيث تمت الموافقة على منح المقعد للائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة في سوريا، بل إن أمير قطر طلب من كل من معاذ الخطيب رئيس الائتلاف وغسان هيتو رئيس الحكومة المؤقتة الجلوس في مقعد سوريا، لكن تحت علم الثورة بدلاً من علم النظام. وقد يكون هذا القرار في الواقع من أخطر القرارات لأنه يقنن الآن لسابقة اختيار من يمثل دولةً عضواً في الجامعة، وإن كان قد حدث هذا بطريقة غير مباشرة في ليبيا، لكنه يحدث الآن بطريقة معلنة في الحالة السورية، وذلك رغم انقسام الصفوف داخل المعارضة السورية نفسها، فهل إذن سوف تتم إعادة دراسة ميثاق الجامعة العربية بهدف تضمينه شروطاً جديدة حول العضوية أو تمثيل الدول الأعضا في عمل الجامعة وهياكلها؟