نصيحة أوباما الصعبة
كان أوباما موفقاً إلى حد كبير في خطابه في القدس، أثناء زيارته الأخيرة لإسرائيل والضفة الغربية والأردن عندما حث الإسرائيليين على النظر للعالم من خلال عيون الفلسطينيين. وهذا الجزء من كلمته كان مؤثراً للدرجة التي تستدعي مني إيراد نصه الكامل: «يجب أيضاً الاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، وحقه في العدالة. عليكم أن تضعوا أنفسكم مكانهم. عليكم أن تنظروا للعالم من خلال عيونهم. ليس من العدل أن ينمو الطفل الفلسطيني ويترعرع في دولة لست دولته، ويعيش حياته كلها بعد ذلك في وجود جيش أجنبي يتحكم في تحركاته. ليس فقط تحركات الصغار، وإنما تحركات آبائهم وأجدادهم، كل يوم. ليس من العدل أن يمضي عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين من دون عقاب. ليس من العدل منع الفلسطينيين من زرع أراضيهم، أو الحد من قدرة طلابهم على التحرك في مختلف أنحاء الضفة، أو طرد العائلات الفلسطينية من بيوتها. لا الاحتلال ولا الطرد هو الإجابة الصحيحة. وتماماً مثلما بنى الإسرائيليون دولة في أراضيهم من حق الفلسطينيين أيضاً أن يكونوا شعباً حراً في أراضيهم.
سوف أخرج عن نص كلمتي هنا لثانية. -الكلام لا يزال لأوباما- قبل أن آتي هنا، قابلت مجموعة من الفلسطينيين صغار السن تتراوح أعمارهم ما بين 15و22. وعندما تحدثت إليهم لم أجدهم مختلفين كثيراً عن بناتي كما لم يكونوا مختلفين عن بناتكم وأبنائكم.
اعتقد بأمانة أن أي أب إسرائيلي لو جلس مع هؤلاء الفتيات والفتية فإنه سيقول لنفسه: أريد لهؤلاء الفتية والفتيات أن ينجحوا، وأن يزدهروا، وأن تتاح أمامهم فرص، مثل تلك التي تتاح لأطفالي. أعتقد أن هذا هو ما سيريده الآباء الإسرائيليون لو أتيحت لهم فرصة الاستماع إليهم، والحديث معهم».
لاشك أن الإسرائيليين سيجدون أن اتباع هذه النصيحة قد يكون تحدياً صعباً؛ ولكنها نصيحة يجب على صناع السياسة والمحللين في الولايات المتحدة أن يستمعوا إليها أيضاً. إن المشكلة المتمثلة في عدم القدرة على رؤية الفلسطينيين كبشر متساويين معنا، وفي رفض رؤية العالم من خلال عيونهم، وسمت لفترة طويلة مقاربات الولايات المتحدة والمقاربات الغربية بشكل عام للصراع العربي الإسرائيلي.
ورفض منح الصفة الإنسانية الكاملة للفلسطينيين، يعود لبداية الصراع ذاته. فبعد الحرب العالمية الأولى، واجه الرئيس الأميركي وودرو ويلسون المخططات الإمبريالية البريطانية والفرنسية، لتقسيم الشرق العربي من خلال الدعوة للاعتراف بحق العرب في تقرير مصيرهم، والدعوة للفهم الأفضل لما يريده العرب حقاً. ودعا ويلسون لإجراء أول استطلاع على الإطلاق للرأي العام العربي. وكانت نتيجة الاستفتاء الرفض الكامل لتقسيم الشرق العربي، وللسيطرة البريطانية والفرنسية، ورفض إقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، والمطالبة بالاستقلال، وتكوين دولة عربية واحدة.
وعند سماعه لنتيجة الاستطلاع هون اللورد بلفور وزير الخارجية البريطاني من شأنها قائلاً: «نحن لا نهتم أصلاً بأخذ آراء سكان البلد (فلسطين)... والصهيونية في رأيي ذات مغزى أعمق بكثير من رغبات، الـ 700 ألف نسمة الذين يسكنون هذا البلد، وأعمق أيضاً من أي ادعاءات بالتحيز ضدهم»!
وعلى مدى التسعين عاماً الماضية، كان فهم بلفور، وليس رؤية ويلسون، هو الذي ميز طريقة تعامل الغرب مع صراع الشرق الأوسط. فقد اهتم الغرب دوماً باحتياجات إسرائيل متوقعاً من العرب أن يتفهموا ذلك. ودخل دبلوماسيو الولايات المتحدة في جدل مستمر مع الفلسطينيين محاولين إقناعهم بضرورة التعامل مع «الحقائق السياسية» في الولايات المتحدة وفي إسرائيل. وقيل للفلسطينيين إنه يتوجب عليهم الاعتراف بالقيود والمحددات المفروضة على الرئيس الأميركي من قبل الكونجرس، وعلى رئيس الوزراء الإسرائيلي من قبل الكنيست، وهما مؤسستان شديدتا المراس.
ويقول صناع السياسة الأميركية إنهم يريدون مفاوضات من دون شروط مسبقة تقود إلى حل الدولتين. ومع ذلك يوافقون، ويريدون من القادة الفلسطينيين القبول بالكتل الاستيطانية كحقائق على الأرض، ويرفضون حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة باعتباره شيئاً غير عملي، ويعترفون بإسرائيل كدولة يهودية ويتجاهلون حقيقة أن 20 في المئة من سكان إسرائيل عرب.
ولو كانت ملاحظات أوباما في القدس صحيحة، فإن ذلك يعني أن الشعب الإسرائيلي ليس هو وحده المطالب بالاستماع لنصيحته بـ«النظر إلى العالم من خلال عيون الفلسطينيين» وإنما يعني أن صناع السياسة في الولايات المتحدة أيضاً بحاجة لعمل الشيء نفسه. ويكتسب هذا الأمر أهمية خاصة مع الزيارة التي يقوم بها وزير الخارجية جون كيري للمنطقة في إطار جهد لصنع السلام.
وإذا ما أراد كيري أن ينجح فيما فشل فيه غيره، فإنه يجب الاعتراف بإنسانية الفلسطينيين. وأن يعرف أنه لكونهم ضحايا الاحتلال فإنهم يمثلون الطرف الأضعف في الصراع، وبالتالي لا ينبغي أن يطلب منهم أن يتحملوا العبء الأكبر كي يجعلوا السلام ممكناً.
وقبل مطالبة أوباما لعباس بتحمل المخاطر، وهو ما ليس بمقدوره إذا ما أخذنا في الاعتبار وضعه الصعب في الداخل الفلسطيني، فإننا يجب أن نعمل على تحدي قيودنا السياسية الداخلية في الولايات المتحدة، ونطلب من نتنياهو عمل الشيء نفسه في إسرائيل أيضاً.