«البوتاسيوم» ضد ارتفاع الضغط و«السكتة»
استغلت منظمة الصحة العالمية، اليوم العالمي للصحة (World Health Day) لعام 2013، وهو يوم يتم إحياؤه سنوياً في السابع من شهر أبريل، لتسليط الضوء على إحدى أهم قضايا الصحة العامة التي تواجه أفراد الجنس البشري في القرن الحادي والعشرين، وهي قضية ارتفاع ضغط الدم. ويأتي اختيار المنظمة الدولية لهذا المرض، كون ارتفاع ضغط الدم يساهم بقدر ملحوظ في العبء المرَضي الناتج عن أمراض القلب، وعن السكتة الدماغية، والفشل الكلوي، بالإضافة إلى الإعاقة الصحية والوفيات المبكرة، وخصوصاً في الدول متوسطة الدخل والفقيرة، التي تتسم نظم الرعاية الصحية فيها بالضعف، وبنقص المتاح من الموارد المالية والكفاءات البشرية.
ويطلق الأطباء على ارتفاع ضغط الدم لقب القاتل الصامت (Silent Killer)، كون المراحل الأولية منه لا تترافق غالباً بأية أعراض، مما يعيق اكتشاف وتشخيص المرض في كثير من الحالات بشكل مبكر. وحتى من يتم تشخيص إصابتهم، كثيراً ما لا يتوافر لهم العلاج المناسب، أو يفشل العلاج في التحكم في مرضهم على المدى الطويل. هذا على رغم أن تشخيص ارتفاع ضغط الدم مبكراً، وتوفير العلاج المناسب، والتحكم الجيد في المرض، يحمل في طياته فوائد صحية واقتصادية جمة. ففي الوقت الذي تعتبر فيه تكلفة العلاج الأولي لارتفاع ضغط الدم زهيدة نسبياً، نجد أن تكلفة علاج المضاعفات الناتجة عنه، مثل الغسيل الكلوي، أو جراحة استبدال شرايين القلب، أو جراحة الشريان السباتي، تدخلات باهظة التكاليف بجميع المقاييس، ترهق المصادر المالية للأفراد، وتهدد ميزانيات نظم الرعاية الصحية بالانهيار.
وهذه التكلفة، سواء كانت بسيطة -نسبياً- في شكل علاج دوائي، أو باهظة ومرتفعة في شكل علاج جراحي للمضاعفات، من الممكن تجنبها بدرجة كبيرة، من خلال تعديل وتصحيح عوامل الخطر السلوكية، التي تؤهل أو تزيد من احتمالات الإصابة بارتفاع ضغط الدم. وبخلاف التكلفة المادية، تمنح إجراءات الوقاية، مئات الملايين من الأشخاص، فرصة تجنب تدهور واعتلال الصحة، بالإضافة إلى المضاعفات المرضية، والإعاقات والوفيات المبكرة، الناتجة عن ارتفاع ضغط الدم. وعوامل الخطر السلوكية تلك، أي المرتبطة بالسلوك الشخصي، تتضمن الغذاء غير الصحي، وعدم ممارسة النشاط البدني أو الرياضي، وتعاطي الكحوليات، والتدخين، الذي من شأنه أن يزيد من خطر المضاعفات الناتجة عن ارتفاع ضغط الدم. وليس من الصعب إدراك علاقة عوامل الخطر السلوكية سابقة الذكر، بحزمة متنوعة من الأمراض، وليس فقط ارتفاع ضغط الدم، مثل السمنة، وداء السكري، وأمراض القلب والشرايين كالذبحة الصدرية والسكتة الدماغية.
وعلى رغم إدراك الأطباء لعوامل الخطر المؤدية لارتفاع ضغط الدم، إلا أنه في 10 في المئة فقط من الحالات، يمكن تحديد سبب مباشر وواضح، مثل أمراض الكليتين، أو الاضطرابات الهرمونية، أو بعض العقاقير الطبية، بينما تظل 90 في المئة من الحالات دون سبب واضح أو محدد. وهذه النسبة الكبيرة من الحالات يبذل الأطباء حالياً جهوداً حثيثة، لتحديد العوامل الفسيولوجية أو البيئية أو الغذائية التي تتسبب في رفع ضغط الدم فيها إلى درجة مرضية. وهذه الجهود أظهرت مثلاً، أن تناول كميات أقل من ملح الطعام، يؤدي إلى خفض ضغط الدم، وتقليل احتمالات الإصابة بأمراض القلب والشرايين بنسبة 25 في المئة، والوفيات الناتجة عنها بمقدار 20 في المئة، أي بمقدار واحدة من كل خمس وفيات. وهذا التأثير الهائل على احتمالات الإصابة والوفاة من أمراض القلب والشرايين، يتأتى فقط من مجرد خفض المتناول يومياً من ملح الطعام بمقدار ثلاثة جرامات، أو ما يعادل نصف ملعقة شاي.
وعلى نفس المنوال، أظهرت دراسة أجراها علماء برنامج الأمم المتحدة للغذاء، بالتعاون مع علماء جامعة «إمبريال كوليدج لندن» وكلية طب «وار-ويك»، ونشرت في العدد الأخير من إحدى الدوريات الطبية البريطانية المرموقة (British Medical Journal)، أن زيادة نسبة المتناول من عنصر البوتاسيوم في الغذاء، بالإضافة إلى خفض نسبة المتناول من الملح، يؤدي إلى خفض ضغط الدم، ويقلل من خطر الإصابة بالسكتة الدماغية، الناتجة عن انفجار أو انسداد أحد شرايين المخ، حيث اكتشف العلماء أن رفع محتوى الغذاء اليومي من البوتاسيوم، بمقدار ثلاثة أو أربعة جرامات فقط، يمكنه أن يخفض مستوى ضغط الدم لدى البالغين، كما أنه يرتبط بخفض خطر الإصابة بالسكتة الدماغية بنسبة 24 في المئة.
والبوتاسيوم عنصر غذائي مهم يتحكم في توازن السوائل بالجسم، ويتواجد في غالبية أنواع الأطعمة، وخصوصاً الفواكه مثل الموز، والخضراوات، والبقوليات، والمكسرات، والبذور، والحليب، والسمك، والدجاج، والخبز. ويُوصى بتناول 4 جرامات من البوتاسيوم يومياً، أو ما يعادل 90-100 ملي مول، وهو ما يمكن الحصول عليه من خمسة حصص فقط من الخضراوات أو الفواكه. ويعتقد أن غذاء أسلافنا كان يحتوي على كميات كبيرة من البوتاسيوم، ولكن تزايد الاعتماد على الأغذية المصنعة، خفض نسبة البوتاسيوم في الغذاء اليومي بشكل ملحوظ، حيث أصبح المتناول منه حالياً لا يزيد عن 70 - 80 ملي مول يومياً في العديد من المجتمعات الحديثة.