الصحافة الفرنسية
لحظة «كيري» في الشرق الأوسط... وموسم التصعيد في شرق آسيا
رؤية وزير الخارجية الأميركي «جون كيري» لإحياء عملية السلام، وتصاعد التوتر في شبه الجزيرة الكورية، وتركة تاتشر الاقتصادية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
بداية «كيري» الواعدة
نشرت صحيفة لوموند افتتاحية، أول من أمس الجمعة، تحت عنوان «خبر سار في الشرق الأوسط»، ذكّرت في بدايتها بتعهد أوباما في خطابه بالقدس يوم 21 مارس الماضي بأنه سيبقى ملتزماً بإيجاد تسوية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي، مؤكدة أنه على ما يبدو كان يعني ما يقول. ومن المعروف أن فترة ولاية أوباما الرئاسية الأولى اتسمت بصفة عامة بنوع من تراجع الاهتمام الأميركي بهذا الصراع، هذا إن لم يكن من المناسب القول إن الأمر وصل إلى حد الانسحاب ونفض اليدين منه من الأساس. وفي شهر فبراير من عام 2011 استخدمت واشنطن حق النقض "الفيتو" ضد قرار في مجلس الأمن يدين مرة أخرى استمرار بناء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وكان في ذلك نوع من إعادة التأكيد على الموقف الأميركي منذ قرابة 12 عاماً: فواشنطن تقبل دون أن تقول ذلك، سياسة الأمر الواقع التي يتبعها حليفها الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية. وفوق هذا يجد أوباما نفسه الآن في موقف أشبه بالمفارقة. فهو يميل لتركيز وتوجيه القوة الأميركية باتجاه آسيا -لأنها المنطقة التي يتشكل في ملعبها مستقبل هذا القرن- ومن أجل التفرغ للمهمة الآسيوية، يتعين عليه نفض يديه من الشرق الأوسط ومآسيه، ومتاهاته. وهذا خيار واضح، ويعني الذهاب إلى أكبر منطقة نمو اقتصادي على صعيد عالمي في الحاضر، ومغادرة منطقة تتردى في حروبها الدينية التي تعود لأزمنة أخرى. وفي كل هذا يمكننا فهم سياسة أوباما، تقول الصحيفة. ولكن في الوقت نفسه، يحاول أوباما أيضاً إعطاء انطباع آخر بأن على أميركا أن تستمر في ممارسة قدر من النفوذ والتأثير السياسي والعسكري في الشرق الأوسط. وهذا يمر بكل تأكيد عبر إيجاد حل للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي.
ولا تأتي أهمية حل هذا الصراع فقط من كونه "مركزياً" كما كان يقال دائماً، وإنما أيضاً لكون المنطقة منخرطة في حالة تمزق وصراعات داخلية أخرى أكثر صخباً، لا علاقة لها بالضرورة بالصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. ولكن لا أحد أيضاً يشك في أن هذا الصراع يبقى "مركزياً" في ذاكرة الشعوب العربية. وهو مشحون بثقل رمزي وسياسي كبير، بشكل خاص. وفي حال حصول أي تقدم في هذا الملف سيكون ذلك عامل تهدئة إقليمية. وأقله أن يؤدي إلى تغيير وجه منطقة الشرق الأوسط كلها، ويقطع العشب بشكل حاسم من تحت أقدام أكثر التيارات تطرفاً وراديكالية. وقد أوكل أوباما هذا الملف إلى وزير خارجيته جون كيري، وهو رجل عنيد، وعميق الرؤية، وكفؤ. ومنذ خطاب القدس، زار كيري المنطقة ثلاث مرات. والتقى جميع أطراف النزاع، أو معظمهم على الأقل: حكومة نتنياهو، والسلطة الفلسطينية، بزعامة عباس، ولم يلتقِ حتى الآن "حماس".
ومن المعروف أن هذه الأطراف المتصارعة لا تتحدث إلى بعضها بعضاً منذ سنوات عدة. وهنا يلزم إعادة بناء جسور الحوار. وهذا ما يشتغل عليه وزير الخارجية. وقد كان الأسبوع الماضي بين القدس ورام الله. كما أعلن عن دعم اقتصادي جوهري للفلسطينيين. وفي الانتظار سلطة فلسطينية مستاءة للغاية من استمرار بناء المستوطنات. وقد فهم كيري أن من غير المجدي العمل على الدفع بحوار ثنائي مباشر وجهاً لوجه بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأنه سيكون عقيماً وغير مثمر في اللحظة الراهنة، لأن الطرفين المتنازعين إذا تركا معاً لوحدهما لا يتوصلان عادة إلى نتائج. ولذا يريد كيري توسيع المفاوضات، بحيث تصبح الولايات المتحدة طرفاً فيها من الناحية البنيوية (من خلال تخصيص فريق)، وكذلك إشراك الأردن. والغاية النهائية من وراء كل هذا هي تأسيس دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل. ولأن الأخبار السارة بشأن هذا الصراع نادرة للغاية، تقول لوموند، فإنه لابد من توجيه تحية إلى بدايات جون كيري الواعدة في الشرق الأوسط.
التحدي الكوري
في افتتاحية بعنوان «آسيا في التحدي الكوري الشمالي» بصحيفة لوفيغارو ذهب الكاتب بيير روسلين إلى أن التهديدات الكورية الشمالية الأخيرة أخذت على محمل الجد بشكل لافت بسبب حالة التصعيد العامة في آسيا. ومنشأ تلك التهديدات الصاخبة أن النظام الستاليني القائم في بيونج يانج يشعر الآن أنه في حاجة ماسة إلى إظهار نفسه في موقف قوة، بهدف إقناع شعبه بمبرر استمراره في السلطة، على رغم معاناة ذلك البلد من العزلة الخانقة والمجاعة الواسعة. وهذا التكتيك ليس جديداً. والجديد هو أن الزعيم الشاب "كيم أون" الذي لم يكمل الثلاثين سنة بعد، ما زال يشعر بعد مرور عام على تسلمه مقاليد السلطة أن عليه فرض إرادته وقوته وسطوته على الجنرالات. ولذا نرى نظام بيونج يانج وهو يسير بهذه الطريقة على خطى نزاع انتحاري. ومع هذا لا يوجد أيضاً ما يضمن ألا يسيء أي من الطرفين تفسير توجهات ونوايا الطرف الآخر، وهذا هو الأخطر في الصراع.
وفي مواجهة تهديدات كوريا الشمالية تصرفت واشنطن بكثير من الجدية، وأظهرت أنها لا تمتلك ترف التعامل مع هذه التهديدات بالتجاهل، ولذلك حركت القاذفات الاستراتيجية "بي 2" لدعم موقف سيئول وطوكيو، اللتين عززتا دفاعاتهما الصاروخية أيضاً. وقد أمرت الرئيسة الكورية الجنوبية الجديدة "بارك جين- هاي" جيشها بـ"الرد بصرامة" و"دون تردد لأسباب سياسية". ولكن إلى أين ستمضي؟ يتساءل الكاتب. لم يتم تجريبها حتى الآن، ولكنها انتقدت سلفها في المنصب بسبب ما اعتبرته تردداً وتواضعاً رده خلال الأزمة السابقة مع الشمال.
ويأتي التصعيد الراهن في شبه الجزيرة الكورية في سياق صراع ليِّ أذرع آخر محتدم بين طوكيو وبكين، بسبب النزاع على جزر في بحر الصين، في وقت تشهد فيه الدولتان الآسيويتان الكبيرتان أيضاً تغيير زعامتهما. والحال أن مفتاح اللغز الكوري الشمالي يوجد في بكين، يقول الكاتب. والصين لا تريد الاصطدام مع نظام ضروري لمصالحها، حتى لو صار منفلتاً وصعب الترويض. ولكن الزمن تغير. واستفزازات الزعيم الشاب "كيم" من شأنها أن تسرّع من الانخراط الأميركي في منطقة المحيط الهادي. وهذا يقلق الصين. والحاصل أن آسيا بصدد التحول إلى قارة معقدة بشكل غير مسبوق.
تركة تاتشر
شكلت وفاة رئيسة الوزراء البريطانية الأسبق مارجريت تاتشر مناسبة لمعظم الصحف الفرنسية لإعادة التذكير بتركة الزعيمة المحافظة الراحلة، التي كانت تعرف باسم "المرأة الحديدية". صحيفة ليبراسيون نشرت تحليلاً بعنوان "تاتشر، التركة الاقتصادية" قالت فيه إن سياسات تاتشر فرضت نفسها على جميع من خلفوها في رئاسة الوزراء البريطانية، وتبدو ملامح التاتشرية الاقتصادية واضحة الآن بشكل خاص في سياسات تقشف محازبها الزعيم المحافظ الحالي ديفيد كاميرون. بل إن خلفها المباشر العمالي "توني بلير" اضطر هو أيضاً إلى تبني كثير من الرؤى التاتشرية، هي ما أدى به مع مرور الوقت إلى زحزحة كثير من مسلمات حزبه اليساري بكيفية بدت معها أحياناً عماليته الجديدة أقرب إلى "وسط اليمين" منها إلى تقاليد الحزب العمالي المعهودة.
وفي الظرف الراهن مع وفاة تاتشر يبدو المجتمع البريطاني كله أكثر تاتشرية، وأكثر وفاء لقيم تاتشر وسياساتها المالية والاقتصادية مما كان عليه تحت حكم الزعيمة الراحلة نفسها. ولذلك بدا الإعلام البريطاني منصفاً بشكل ملحوظ هذه الأيام في حكمه على المرأة "الحديدية"، حيث كتبت الديلي، تلغراف ذات الميول المحافظة "في الحقيقة كلنا الآن أبناء تاتشر"، فيما اعتبرت الغارديان، وهي أقرب إلى وسط اليسار: "إن بريطانيا العظمى اليوم أكثر تاتشرية مما كانت عليه في عقد الثمانينيات".
إعداد: حسن ولد المختار