رغم التطورات الهائلة التي شهدها مجال الرعاية الصحية في دولة الإمارات خلال العقود القليلة الماضية، وخصوصاً على صعيد مكافحة الأمراض المعدية الخطيرة، إلا أن الدراسات الحديثة تظهر أن لدى الدولة معدلاً أقل على صعيد متوقع العمر أو مؤمل العمر (Life Expectancy)، مقارنة بدول أخرى مماثلة، حسب دراسة صدرت حديثاً عن معهد القياسات الصحية والتقييم (institute for Health Metrics and Evaluation)، التابع لجامعة واشنطن بالولايات المتحدة. فمن بين قائمة تحتوي على 14 دولة تتشابه مع دولة الإمارات جغرافياً، أو اقتصادياً، بما في ذلك قطر، والكويت، والولايات المتحدة، سجلت الإمارات أعلى نسبة وفيات، أي 615 لكل 100 ألف من السكان، وبأقل مؤمل عمر، أي 76,3 عام فقط. ويعزو القائمون على تلك الدراسة هذه النتائج، وخصوصاً التدني -النسبي طبعاً- في مؤمل العمر، إلى حوادث الطرق. فللأسف تعاني دولة الإمارات من ارتفاع ملحوظ في عدد الوفيات بسبب حوادث السير، بين الشباب والمراهقين، بالإضافة إلى وفيات مماثلة بين الأطفال الرضع وصغار السن. ففي عام 2010 مثلاً، تسببت حوادث السير في وفاة 1838 شخصاً، وهو ما يعادل 14 في المئة من جميع الوفيات في ذلك العام. وثلاثة أرباع تلك الوفيات كانت بسبب حوادث اصطدام أو انقلاب، بينما مثلت وفيات المشاة نسبة 10 في المئة. وعلى رغم أن العدد الإجمالي للوفيات قد لا يبدو هائلاً للوهلة الأولى، إلا أن صغر العمر الذي تقع عنده الوفيات، يترك أثراً شديداً على مؤمل العمر الإجمالي للسكان. فباعتبار أن أعلى مؤمل عمر بين الشعوب والمجتمعات البشرية هو 86 عاماً، الذي يتمتع به الشعب الياباني، وبناء على أن حوادث الطرق تقع بين الشباب وصغار السن بمعدلات أكبر، وبمتوسط عمر 35 عاماً، قدرت الدراسة أن من لقوا حتفهم في حوادث الطرق، قد فقدوا 51 عاماً من عمرهم. ويلقي الخبراء باللوم خلف حوادث السير داخل الدولة -وخصوصاً وفيات المشاة- على مشاكل تتعلق بتوفر أماكن العبور، والجسور العلوية والأنفاق المخصصة للمشاة، والطرق الصديقة للمشاة بوجه عام، بالإضافة إلى غياب الوعي العام بكيفية استخدام هذه المعابر. أما السبب الثاني في لائحة اتهام هؤلاء الخبراء، فيشير إلى السرعة الزائدة، وعدم الالتزام بالسرعة القصوى، وهو ما اتضح في رأيهم مع انخفاض حوادث السير على طريق أبوظبي- دبي، مع خفض السرعة القانونية على هذا الطريق. ويشير مصطلح متوقع أو "مؤمل الحياة" إلى عدد السنوات التي يؤمل أو يتوقع للمرء أن يحياها عند ولادته، في بلد ما، خلال فترة زمنية محددة. فعلى سبيل المثال، في العصر الحالي، يتوقع لمن يولد في اليابان أن يعيش لفترة تزيد عن 82 عاماً، بينما يتوقع لمن يولد في دولة "سوازيلاند" الأفريقية أن يعيش لفترة تقل قليلاً عن 32 عاماً. ويشكل مؤمل العمر محوراً رئيسياً في تقدير مؤشر اجتماعي واقتصادي مهم، هو مؤشر التنمية البشرية (Human Development Index)، الذي يأخذ في الاعتبار ثلاثة جوانب رئيسية: أولها هو متوقع أو مؤمل العمر عند الولادة، للاستدلال على مدى صحة أفراد المجتمع، ومتوسط الأعمار التي يتوقع أن يعيشوها عند ولادتهم. وثانيها المعرفة والتعليم، اللذان يقاسان من خلال نسبة القدرة على القراءة والكتابة بين البالغين، بالإضافة إلى نسب انخراط الطلاب من الذكور والإناث في مراحل التعليم المختلفة. أما الجانب الثالث والأخير فهو مستوى المعيشة، الذي يقاس بمعادلات لوغاريتمية، تأخذ في الاعتبار الناتج القومي المحلي الإجمالي، بالنسبة إلى قيمة القدرة الشرائية. وتصنف هذه المؤشرات الدول إلى أربع فئات: الأولى هي الدول ذات التنمية البشرية المرتفعة جداً، مثل الإمارات، وقطر، والبحرين. والثانية هي الدول ذات التنمية المرتفعة، مثل السعودية، والكويت، وليبيا، ولبنان، وعمان، وتونس. أما الفئة الثالثة فهي الدول ذات التنمية المتوسطة، مثل الأردن، والجزائر، ومصر، والأراضي الفلسطينية، وسوريا، والمغرب، والعراق. وأخيراً فئة الدول ذات التنمية المنخفضة، مثل اليمن، وموريتانيا، وجزر القمر، وجيبوتي، والسودان. وتصنف دولة الإمارات ضمن فئة الدول ذات التنمية البشرية "المرتفعة جداً"، وهي الفئة التي لا يتجاوز عدد دولها 47 دولة، كما تحتل الدولة المرتبة الأولى على المستوى العربي، والمرتبة الثلاثين على المستوى العالمي بين 187 دولة، وفق مؤشرات التنمية البشرية التي تضمنها تقرير التنمية البشرية لعام 2011 الذي أصدره "برنامج الأمم المتحدة الإنمائي"، وتم إطلاقه في بداية شهر يناير من العام الماضي. وهو ما يؤكد على السجل المتميز والمشرف لدولة الإمارات في هذا المجال، وعلى منح الدولة أولوية قصوى للتنمية البشرية بمفهومها الشامل، ووضع الاهتمام بالإنسان ورفع مستوى حياته المعيشية في قمة أجندة اهتمامات القيادة الرشيدة للدولة برئاسة صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة ، حفظه الله، وتخصيص الموارد ووضع الخطط والاستراتيجيات الفاعلة نحو تحقيق هذا الهدف. ويؤمل أن تؤدي الجهود المبذولة في خفض معدلات حوادث الطرق والسير في الدولة، إلى زيادة مؤمل العمر، وبالتالي رفع ترتيب الدولة على قائمة مؤشر التنمية البشرية.