في الجلسة السادسة لمحاكمة «التنظيم السري» والتي كانت يوم الثلاثاء الماضي نال الإعلام جزءاً لا بأس به من وقت الجلسة، فبعد أن قدّم القاضي توجيهاته للإعلاميين فيما يتعلق بالمسموح بنشره حول القضية، بحيث يضمن شفافية المحاكمة ولا يؤثر على سير العدالة ولا يؤدي إلى اتخاذ أحكام مسبقة من القضية والمتهمين فيها - وكان هذا كلاماً محترماً ومسؤولاً-، إلا أن بعض المتهمين عندما سمح لهم القاضي بالحديث، قاموا بانتقاد الإعلام وكأنهم غير راضين عما يكتبه الإعلام عنهم وما تتناوله وسائل الاتصال الاجتماعي عن قضيتهم. وبلا شك، فإن قضية مثل هذه تستحوذ على اهتمام الرأي العام وجميع المواطنين والمقيمين في الدولة من المهم متابعتها والكتابة حولها بشكل مستمر وبالتزام مهني. وقد لاحظ الجميع أن معظم وسائل الإعلام المحلية ملتزمة بخطها «المسؤول» والمتوازن، فيما يتعلق بهذه القضية وغيرها. وما تنقله وسائل الإعلام من حيثيات جلسات المحاكمة ما هو إلا الخطوط العريضة، أما التفاصيل وما يقال فيها فينقسم إلى قسمين: ما لا يسمح بنشره حتى لا يؤدي إلى التأثير على مجريات المحاكمة، وما لا يمكن نشره من كلام المتهمين الذي يبدو أنه يحمل رسائل مباشرة وغير مباشرة حول قضيتهم، وفي غالب الأحيان بهدف استثارة عواطف الحضور من خلال ما يقولونه ولا يكون الكلام ذا قيمة فيما يتعلق بالقضية، وإنما يصلح لأن تنسج حوله القصص التي تكتب في وسائل الاتصال والمواقع الإلكترونية. والحقيقة أن هناك أموراً تقال في قاعة المحكمة وألفاظاً يتلفظ بها بعض المتهمين، لو أنها نقلت في الصحف ووسائل الإعلام لصدم لها الجمهور، ولما صدّق أن مثل هذا الكلام يصدر عن أولئك الأشخاص الذين كان لهم احترامهم ومكانتهم في المجتمع. المفارقة في هذه المحاكمة أن من يجلس في القاعة يلاحظ مدى التزام الإعلاميين ـ جميعهم بلا استثناء- بقواعد المحكمة واحترامهم للجميع. ويلاحظ الجميع كيف أن الإعلاميين يدخلون ويخرجون من قاعة المحكمة بمسؤولية عالية. وفي المقابل، يواجه الإعلاميون وبشكل شبه متكرر في كل جلسة الإرهاب اللفظي والفكري الذي توجهه إحدى أو بعض «الأخوات» المتهمات اللواتي يجلسن بمحاذاة الصحفيين، وتكرر عليهم بالإشارات أو الكلمات عبارات تمس «أمانتهم المهنية» ومصداقيتهم وتشكك في دورهم في نقل وقائع المحاكمة. ورغم كل ذلك، فإن الصحفيين يقابلون هذا التهجم بعقلانية وهدوء شديدين، ولم يحدث أن رد أحد الصحفيين على تلك المضايقات المتكررة! إن مشكلة «الإخوان» القديمة والتي يبدو أنهم لن يستطيعوا التخلص منها، هي أنهم لا يقبلون من لا يكون معهم وأنهم ضد من لا يتفق معهم ولا يستطيعون تقبل الرأي الآخر. والأيام كشفت أن الإعلام في الإمارات لا يتأثر بـ «الدعاية الأيديولوجية» لتنظيم «الإخوان»، وبالتالي فهو ليس معهم وإن كان في موقف الحياد عندما كانوا هم كذلك. كما أن إعلامنا أنضج من أن ينزل إلى مستوى المهاترات الذي يرغبون أن يأخذوه إليه، ويبدو أن هذا ما يزعجهم أيضاً. «الإخوان» لا يحتملون الإعلام وهم «المتهمون»... ويتناسون أنهم من بدأ بنقل قضيتهم إلى الإعلام... و«الإخوان» لا يريدون نشر أسمائهم في الصحف ويتناسون أنهم من نشر قوائم بأسماء أعضاء تنظيمهم على الإنترنت وفي مواقع التواصل الاجتماعي. و«الإخوان» لا يريدون نشر صور المتهمين في الإعلام ويتناسون أنهم من بدؤوا بنشر صور المقبوض عليهم على المواقع الإلكترونية وفي وسائل التواصل الاجتماعي، وقدموها إلى وسائل الإعلام الأجنبية والمنظمات الدولية بهدف استجداء تعاطفها وتأييدها! لقد كان الرهان على الإعلام من ضمن استراتيجية «الإخوان» فيما يقومون به. فقد سربوا رسائلهم عبر الإعلام المحلي وارتبطوا بشكل وثيق بالإعلام الأجنبي وتعمقوا في استخدام الإعلام الإلكتروني، لكنهم لم يستطيعوا رغم كل ذلك الدفاع عن أنفسهم وإقناع الناس بقضيتهم على الرغم من كل ما فعلوه على تويتر والفيسبوك والمنتديات. وواضح أن «الإخوان» قلوبهم حزينة لأن هناك من يكتب عنهم، فلم يستطيعوا أن يتحملوا بعض الكلمات التي تقال ضدهم، وكأنهم الأتقياء الأنقياء، وكأنهم ليسوا هم من يطعنون في أعراض من يخالفهم أو يترك جماعتهم، وكأنهم ليسوا هم من يشكك في أمانة من يقف ضدهم، وكأنهم ليسوا هم من يطعن في أعراض وأخلاق من لا يؤيدهم، وكأنهم ليسوا هم من يتكلمون في مواقعهم وصفحاتهم الإلكترونية عن نيات الآخرين وضمائرهم ويحرضون الآخرين ضدهم! «الإخوان» لا يريدون الحق، إنهم يريدون ما يرونه في صالحهم فقط، ولم يدركوا حتى الساعة أن ما يعتقدون أنه في صالحهم جاء دائماً ضدهم، وأضر بأشخاص أبرياء تورطوا معهم وربما أشخاص تعاطفوا معهم، فأصبحوا جزءاً من القضية وحلقة في سلسلة أخطاء هذه المجموعة التي تصر على أن تتمسك بالأوهام وتمارس البكائيات من أجل الحصول على ما تريد، وما تزال تعتقد أن ما تمارسه من تقية يفيدها وأن الناس لم تكشفهم بعد! لو كان في تنظيم «الإخوان» في الإمارات رجل رشيد لقال كلمته ولنصح رفاقه وهو يرى ما يصيب جماعتهم الأم، وما يسقطون فيه من أخطاء متتالية وما يخسرونه يومياً من مؤيدين بسبب ارتباكهم وقلة وعيهم السياسي. ولأدركوا كم من الناس شعروا بأن «الإخوان» خذلوهم بأدائهم الضعيف وبخطواتهم المترددة في إدارة تلك الدول التي حكموها. الإعلام لا ينقل إلا أعمال «الإخوان» والأشهر القليلة الماضية على حكمهم أثبتت أن من يريد انتقاد «الإخوان» لا يحتاج إلى جهد كبير، فمتابعة سريعة لكل ما يقومون به ورصد قراراتهم ونقلها للإعلام، من دون تدخل أو تأثير تكون كافية لجعل الجمهور يصعق لما تفعله هذه المجموعة. فلا ينبغي أن يلقي «الإخوان» أخطاءهم على الإعلام ولا أن يلوموا الإعلاميين والصحفيين والكتاب، فلا أحد لديه الاستعداد للدفاع عن الخطأ، والخطأ واضح وضوح الشمس، لكن كيف لمن رضي سكن الجحور أن يرى ضوء الشمس ونور الحق؟!