آخر معاقل الستالينية
رغم أن كوريا الشمالية توصف من قبل المحللين السياسيين بالدولة التوتاليتارية، وإحدى الحفريات العائدة لفترة الحرب الباردة، فإنهم يتفقون على أن لحظة انهيارها ليست وشيكة، بل أبعد ما تكون عن ذلك. وفي كتابه «كوريا الشمالية الحقيقية... الحياة والسياسة في يوتوبيا ستالينية فاشلة»، يشرح أندريه لانكوف المؤرخ الروسي الأصل وأستاذ التاريخ الكوري بجامعة «كوكمين» في سيؤول، سبب ذلك، فيقول إن النخبة الحاكمة في بيونج يانج تشعر بأنها محاصرة، وأن تضامنها شرط لبقائها، لذلك تواصل دعم قائدها، دون أدنى اهتمام بمحنة السواد الأعظم من السكان، كما تؤمن بأن «الانفتاح على العالم الخارجي سوف يعرض المواطنين الكوريين الشماليين للتأثر بالتيارات المعاصر، ويكسر أسوار العزلة التي عاشوا وراءها عقوداً متوالية».
ويرى لانكوف أنه رغم خطاب كوريا الشمالية العدائي والمتوتر غالباً، فإن قيادتها ليست متهورة، ولا شيء يؤكد ذلك أكثر من استمرارها في البقاء رغم كافة العوامل المناوئة، ومنها محدودية مواردها، واقتصادها شبه الميت. فحكام كوريا الشمالية ليسوا متعصبين أيديولوجيين أو ساسة مجانين، بل ممارسين بارعين للسياسات الميكيافيلية، وربما يكونون أفضل من يطبقون هذه السياسات. فرغم أنهم يقودون دولة فاشلة، فهم يستخدمون الدبلوماسية بمهارة، بما في ذلك التلويح بالورقة النووية لانتزاع الدعم من الدول الأخرى. ورغم أن الطبقة السياسية المهيمنة اتسمت بالقسوة وانعدام الرحمة، فإن «لانكوف» يرى بأن ذلك لا يمكن أن يستمر للأبد، وأن النظام القديم ينهار ببطء وبصورة ملحوظة، ما يعني أنه في الأمد الطويل، من خلال الإصلاح أو من دونه، سيثبت أنه نظام غير قابل للبقاء.
ومن هذا المنظور يرى المؤلف أربعة سيناريوهات محتملة قد تفجر أزمة كبرى في شبه الجزيرة الكورية، أولها محاولة النظام إجراء إصلاحات ذاتية مشابهة لما قامت به الصين وفيتنام، وذلك بواسطة القادة الجدد، وعلى رأسهم كيم جونج أون نفسه، والذين سيعملون على فتح الاقتصاد للحصول على ثروات طائلة كما فعلت كوادر الحزب الشيوعي الصيني، لكنهم عندما يقومون بذلك، فسيعرّضون أنفسهم لخطر السقوط لأن السكان الساخطين، سوف يندفعون للاتحاد مع الجنوب الكوري الأكثر ثراءً.
السيناريو الثاني: حدوث صراع داخلي حاد بين أجنحة الحكم، يؤدي إما إلى إجراء تطهير يطال بعض الشخصيات البارزة، أو إلى محاولة انقلاب يترتب عليه اقتتال شرس طويل الأمد، لأن الخاسرين، سواء من تم تطهيرهم أو إخراجهم من الحكم بقوة الانقلاب سوف يواصلون القتال بغرض الانتقام، أو العودة لأوضاعهم السابقة.
السيناريو الثالث: حدوث انفجار مفاجئ للسخط الشعبي في صورة شغب يندلع في إحدى المدن الصغيرة، ويتطور إلى موجة ثورية على نحو ما حدث في بعض الدول العربية. وما يرجح هذا السيناريو في نظر المؤلف أن النظام يزداد ضعفاً، وأن الخوف منه يتقلص، والمعرفة بالبدائل المتاحة تزداد، لذلك فحدوث«ربيع بيونج يانج» في الأمد الطويل ليس مستحيلاً.
السيناريو الرابع: انتشار قلاقل وأعمال فوضى قادمة من الصين تؤدي إلى إحداث أثر على كوريا الشمالية.
وبعد أن سرد لانكوف تلك السيناريوهات، يرى أن توحيد الكوريتين ما زال الخيار الأفضل، وبالتالي فالمطلوب من واشنطن وسيؤول النظر في الكيفية التي يمكن بها إقناع بكين بأن «كوريا الموحدة أخف وطأة عليها من خيار التدخل الخارجي»، وبأن كوريا الموحدة لن تكون رأس جسر للنفوذ العسكري الأميركي في شمال شرق آسيا.
وفي هذا الإطار سوف يتعين على سيؤول أن تبين للصين أنها ستحترم الاتفاقات السابقة المتعلقة بالحدود الصينية الكورية. وحول هذه النقطة يقول المؤلف: «يجب أن تؤمن كوريا الجنوبية بأن دعمها المتكرر للحركات الانفصالية في المناطق الشمالية الشرقية من الصين والمطالب شبه الرسمية بحقوق ترابية لها على أراض صينية، سوف تؤدي إلى نتائج عكس المتوخاة منها، وستعزز الشكوك الصينية بأن كوريا الموحدة ستسعى لتغذية السخط في المناطق الحدودية المتاخمة لها، ما يدفع بكين لمعارضة خيار توحيد الكوريتين باعتباره الخيار الأسوأ».
إنها حلول افتراضية، خصوصاً بعد أن ثبت بأن فكرة استمرار العزلة سوف تؤدي حتماً في نهاية المطاف إلى تكوين جماعات إصلاحية في كوريا الشمالية تعمل على تحويلها إلى دولة متطورة بشكل سلمي... ليست سوى نوع من التفكير الرغائبي. لكن الوضع الحالي -في رأيه- غير قابل للاستمرار، والنظام سوف يسقط آجلاً أم عاجلاً، وبالتالي فالوقت ملائم الآن لبدء التخطيط لمواجهة تلك اللحظة.
سعيد كامل
الكتاب: كوريا الشمالية الحقيقية... الحياة والسياسة في يوتوبيا ستالينية فاشلة
المؤلف: اندريه لانكوف
الناشر: أوكسفورد يونيفرستي برس- يو إس ايه.
تاريخ النشر: 2013