طرابلس: مبادرات السلام
تعاني مدينة طرابلس، ثاني أكبر مدن لبنان، من سمعة العنف نتيجة لنزاع مستمر في أحياء باب التبانة وجبل محسن. أصبحت هاتان الضاحيتان اللتان كانتا حياً واحداً منذ مدة، مقسمتين عبر خطوط سياسية أثناء الحرب اللبنانية الأهلية التي استمرت 15 سنة، خلال الفترة من 1975 إلى 1990. ونظراً لتاريخ لبنان السياسي المعقّد مع سوريا، ازداد التوتر نتيجة للنزاع في سوريا، ونتج عن ذلك نزاع مسلح متقطع.
إلا أن طرابلس التي أعرفها مختلفة، فهي ليست ساحة حرب، وأنا آمل أن تتمكن مجموعة من مبادرات الشباب في المدينة من المساعدة على استعادة السلام في هذين الحيّين. يذهب سكان هذين الحيّين أحياناً إلى العمل معاً، ويذهب أطفالهم إلى المدارس نفسها، ويتزوجون أحياناً من بعضهم. كان الحيّان في الأصل حياً واحداً اسمه باب التبانة، وانقسم خلال الحرب الأهلية. تجمّع علويّو باب التبانة (والعلويون أقلية مسلمة تمثّل 12 في المئة من السكان في سوريا، مع جيوب في كل من لبنان وتركيا، تدريجياً على سفح الجبل (جبل محسن) المطل على باب التبانة. جاء ذلك إلى حد ما نتيجة للتوترات التي وقعت آنذاك بين الحزب "العربي الديمقراطي اللبناني"، الذي دعم النظام السوري أثناء الحرب الأهلية، وحركة التوحيد الإسلامية السُنّية في طرابلس.
نتيجة لذلك، يعمم الكثيرون اليوم بأن السُنّة في باب التبانة يدعمون الجيش السوري الحر، وأن سكان جبل محسن العلويين يدعمون النظام السوري. كما يصّور الإعلام النزاع أحياناً كثيرة على أنه طائفي، وهو تشابه مرعب مع للحرب الأهلية اللبنانية.
كما أن هذين الحيين من بين المناطق الأكثر فقراً في لبنان، فمعدلات الفقر والبطالة والكثافة السكانية جميعها مرتفعة. ولا يحصل السكان على الاحتياجات الرئيسية، مثل الكهرباء والمياه الجارية والأمن، الأمر الذي يمكّن الساعين للحصول على السلطة من إذكاء نار النزاع المسلح في المنطقة.
ولكن هناك اليوم مبادرات تهدف إلى جَسر الصدوع وإيجاد فرص للحوار بين السكان المقيمين في باب التبانة وجبل محسن.
ومن بين هذه المبادرات الفريدة TEDxAzmiStreet، المسماة على اسم شارع مكتظ يربط أجزاء عديدة من طرابلس. وهذه المبادرة هي نسخة مصغّرة عن مؤتمر TED المعروف، وقد تم ترخيصها وتنظيمها بشكل مستقل وتسعى إلى المشاركة "بأفكار جديرة بالنشر".
وخلال المناسبات التي تنظّمها هذه المبادرة، يقدّم مشاركون، بشكل حي أو ببث مباشر، أحاديث حول الإبداع والابتكار وقصص عن نجاحاتهم الشخصية وحلول للتحديات الاجتماعية والتقنية والتعليمية والاقتصادية التي تواجهها طرابلس. يشرح نزيه فينو، منظّم TEDxAzmiStreet، كيف توفّر مشاركة الجمهور الناس فرصة للتعبير عن أنفسهم في مكان يُسمع منه الجميع، ليفهموا بشكل أفضل احتياجات بعضهم. حضرْتُ أول مناسبة لـTEDxAzmiStreet في طرابلس في منتصف عام 2012. كان الوقت صعباً جرى فيه تبادل كثيف لإطلاق النار في باب التبانة وجبل محسن الليلة السابقة. وجد منظمو الحدث أنفسهم أمام قاعة ممتلئة بالناس.
"لم يتوقّع أحد أن يتمكن الناس من الحضور، ولكنهم حضروا. جاؤوا ليقولوا إننا ضد "العنف"، ونستطيع تغيير المستقبل، من خلال تحسين أنفسنا وفرصنا في العيش بصورة فضلى، يقول فينو. لقد كان بالإمكان ملاحظة الانسجام القوي للجمهور والأمل في أصواتهم ورغبتهم القوية في أن يُسمَع صوتهم لتدين النزاع المسلّح في طرابلس.
بدأت مبادرة أخرى عنوانها "نحن نحب طرابلس" وهي واحدة من المجتمعات الإلكترونية الأكبر في طرابلس عام 2007 كمجموعة "فيسبوك" للشباب من خلفيات دينية وسياسة مختلفة، أرادت "تغيير صورة طرابلس كمدينة دفعها التطرّف والعنف". نظّم أعضاء هذا المجتمع أنفسهم، وهم يشكلون اليوم منظمة غير حكومية مهمتها "إطلاق المشاعر الجماعية لخدمة مجتمعنا، من خلال مشاريع استقطاب الدعم والنشاطات التطوعية والإعلام الاجتماعي". ويعمل هؤلاء الشباب على صفحة "فيسبوك" الخاصة بهم، والتي يتبعها ما يزيد على 15,000 صديق، على تشجيع رسائل السلام، مثل صورة تظهر رجلاً يحمل رسالة تقول: "علوي، سنّي، شيعي، جميعنا لبنانيون."
عندما سألت فينو عن الاحتياجات المشتركة للمواطنين في جبل محسن وباب التبانة قال: "الطرفان يحتاجان إلى الانخراط في مجتمع واحد، وكلاهما يحتاج السلام."
عائشة حابلي
عضوة بمنظمة «صحفيو السلام اللبنانيون» وMasterPeace لبنان
ينشر بترتيب مع خدمة "كومون جراوند" الإخبارية