الخليج: التعامل مع «الإخوان»
اشتدت الحملة الإعلامية في الصحف الخليجية ضد جماعات «الإخوان المسلمين» بعد التطورات المتسارعة في مصر. والسؤال الذي علينا طرحه اليوم: هل تستطيع دول الخليج اقتلاع «الإخوان المسلمين» أو الحد من نفوذهم وتنظماتهم في بلدان المنطقة؟ وهل دول الخليج جادة في إعلانها أو أطروحاتها التي تثيرها الصحافة الخليجية، وهي العمل على الحد من نفوذ «الإخوان» في المنطقة؟
الإجابة على هذه التساؤلات بموضوعية وحيادية تتطلب دراسة الخلفية التاريخية لكل تنظيم لـ«الإخوان» في دول الخليج. وقد استعنت بأحد المراجع الممتازة التي أعدها مجموعة من الباحثين في كتاب قيم اسمه «الإخوان المسلمون والسلفيون في الخليج»، نشرته «دار المسبار للدراسات والبحوث» في يوليو 2010.
ما يهمنا في هذا المقال هو التأكيد على حقيقة أن تجارب «الإخوان المسلمين» في دول الخليج قديمة وتختلف من دولة إلى أخرى، فتجربة كل دولة تاريخياً هي التي تحدد طبيعة مسارهم القادم ومستقبلهم. ففي المملكة العربية السعودية بدأ نشاطهم منذ عام 1936 عندما قابل المرشد العام لـ«الإخوان»، حسن البنا، الملك عبد العزيز آل سعود وطلب منه السماح بإنشاء فرع للجماعة، فرد عليه الملك: كلنا إخوان مسلمون، ثم استضافت السعودية أقطاب الجماعة بعد الحملة التي شنّها عبدالناصر ضدها إثر محاولة اغتياله في منشية البكري عام 1954. وقد هيمن «الإخوان» على قطاع التعليم والجمعيات الخيرية في السعودية. لكن ماذا عن موقف السعودية اليوم؟ لم تعد السعودية تثق بـ«الإخوان المسلمين»، وقد أعلن ذلك وزير الداخلية الراحل الأمير نايف بن عبد العزيز، حيث قال: «الإخوان المسلمون أصل البلاء، كل مشاكلنا جاءت من جماعة الإخوان المسلمين، فهم الذين خلقوا هذه التيارات وأشاعوا هذه الأفكار». ودعم «الإخوان» لحركة «حماس» في غزة والحوثيين في اليمن، وغيرها من المشكلات، خلقت هوة كبيرة بين التنظيم والسعودية.
وفيما يخص دولة الإمارات، فقد بدأ تنظيم «الإخوان» في الإمارات بعد عودة الطلبة الإماراتيين من الدراسة في مصر والكويت أواخر الستينيات، حيث تم إنشاء «جمعية الإصلاح الاجتماعي»، وحيث شارك «الإخوان» في أول وزارة اتحادية عام 1971 وهيمنوا على وزارة التعليم. لكن في عام 1994 قررت حكومة الإمارات حل مجلس إدارة جمعية الإصلاح في أبوظبي ولحقتها دبي، ثم تم سجن بعضهم مؤخراً بعد اكتشاف خلايا تنظيمية لجمع الأموال والتآمر ضد الدولة.
تجربة دولة البحرين مع «الإخوان» تختلف عن السعودية والإمارات؛ فالبحرين من أوائل الدول الخليجية التي أنشئت فيها جمعية للإصلاح الاجتماعي، وذلك في عام 1941، حيث نشط «الإخوان» في مجال التعليم، وكان أول صدام بين «الإخوان» والتيارات القومية الناصرية قد بدأ في عام 1954، وقد هيمن التيار القومي الناصري على الساحة البحرينية لمدة طويلة، لكن عندما تقلص نفوذه ازداد نفوذ «الإخوان المسلمين» في البحرين بتحالفهم مع الحكومة، حيث شاركوا في صياغة «المشروع الإصلاحي» الذي طرحه ملك البحرين، وشكلوا المنبر الوطني الإسلامي، وشاركوا في الانتخابات وأصبح لديهم عدة مقاعد في البرلمان. ويتميز «إخوان» البحرين بمرونة حركتهم، ولم يسبق أن دخلوا في خلاف مع الحكومة، بل لديهم مواقف داعمة للحكومة البحرينية في القضية الطائفية.
وفي المقال القادم سنعالج التجربتين القطرية والكويتية مع «الإخوان».