الصحافة الأميركية
«كاريزما مانديلا» غائبة عن الشرق الأوسط... و«النقد الدولي» كفيل بأزمة أوكرانيا
هل تفتقر المنطقة العربية إلى نموذج مانديلا في العفو والمصالحة؟ وإلى أين وصل مسار السجال حول التدخل العسكري في سوريا؟ وكيف يمكن لأوكرانيا الخروج من أزمتها السياسية؟ تساؤلات نضع إجاباتها تحت الضوء ضمن قراءة سريعة في الصحافة الأميركية.
أين «مانديلا السُني»؟
أول من أمس الاثنين، وتحت عنوان «الافتقار إلى الزعامة في الشرق الأوسط»، كتبت «ترودي روبن» مقالاً في «ذي فلاديلفيا انكوايرر»، استهلته بالقول إنه لأمر محزن أن يصل المرء إلى الشرق الأوسط نهاية الأسبوع الماضي بالتزامن مع حزن العالم على رحيل المناضل الجنوب أفريقي نيلسون مانديلا. وترى الكاتبة أن مانديلا صاحب رؤية ثاقبة، حيث نجح في تحقيق مصالحة بين أغلبية سوداء وأقلية بيضاء كانت مهيمنة على السلطة في جنوب أفريقيا. اسم مانديلا أصبح رمزاً للعفو الذي انتهجه الساسة السود الجدد في جنوب أفريقيا عند التعامل مع الأقلية البيضاء التي هيمن عليها الخوف بعد سقوط نظام الفصل العنصري. واستنتجت «روبن» أن غياب هذا النوع من القادة كان سبباً في ما آل إليه «الربيع العربي» من نتائج سيئة. ففي مصر لم يستطع محمد مرسي التخلي عن النهج السري لـ«الإخوان المسلمين»، الذين أرهبوا المسيحيين والمسلمين المعتدلين، ما فتح الباب أمام الجيش المصري كي يطيح به. وفي سوريا، يقف العلويون المنتمون للمذهب الشيعي والمسيحيون مع بشار الأسد خوفاً من أن يؤدي انتصار السُنة إلى طردهم، لكن لا يوجد مانديلا سُني يطمئنهم. وتقول الكاتبة تفتقر منطقة الشرق الأوسط لقادة لديهم القدرة والإرادة اللازمتين لإقناع القبائل والعشائر والطوائف بأنها لن تتعرض للدمار إذا خسرت في الانتخابات، ناهيك عن حرب أهلية، والنتيجة أن دول الشرق الأوسط التي ابتهجت بالحريات الجديدة، بات لديها قلق تجاه الديمقراطية، وتتجه إما نحو الاستبداد أو الفوضى. القصص الجديدة في الشرق الأوسط لا تركز على الديمقراطية بل على كبح جماح المجموعات الجهادية بما فيها «القاعدة»، وهذا ظهر في اليمن والعراق وليبيا وسوريا. وبات كثيرون في المنطقة يكررون عبارة كانوا يستخدمونها قبل ثورات 2011، ألا وهي أن الدول العربية أمامها خيارين إما الإسلاميون المتطرفون أو القيادات القوية. الكاتبة سافرت إلى القاهرة ثم انتقلت إلى الحدود السورية- التركية، وسألت بعض النشطاء عن كيفية الخروج من فخ الخيارات الصعبة، في مصر على الأقل بالإمكان العودة إلى الديمقراطية، فمسودة الدستور الجديد تم إعدادها، وثمة انتخابات برلمانية ورئاسية ستعقد خلال الشهور المقبلة.
الكاتبة ترى أن السوريين بحاحة ماسة إلى قيادة على شاكلة مانديلا، فنظام الأسد استهدف المعارضة العلمانية والمعتدلة بينما سمح للتنظيمات الراديكالية أن تنشط وتعمل بحرية داخل سوريا، ليحقق النظام هدفه، حيث تحصل المعارضة المعتدلة على دعم عسكري محدود من الغرب، وفي غضون ذلك يزدهر نشاط «الجهاديين»، وحسب الكاتبة، فإن ديكتاتور سوريا يخبر مؤيديه من الأقلية العلوية الخائفة بأن نهاية نظامه تعني انقراضهم، والأمر نفسه فعله مع المسيحيين، ويقول النظام إن الغرب يحتاجه لمحاربة تنظيم «القاعدة». الأسد هو نقيض مانديلا، لأن الأسد زرع الخوف والكراهية وشتت وطنه، لكنه لا يزال قادراً على الإمساك بالسلطة. الكاتبة تحدثت مع نشطاء سوريين على الحدود التركية وسألتهم عما إذا كان هناك فرصة للحفاظ على تماسك سوريا، وهل هناك زعيم للمعارضة يتحلى بكاريزما مانديلا، يستطيع حشد السوريين الذين لا يريدون نظاماً ديكتاتورياً ولا حكماً على غرار «القاعدة»، لكن للأسف لا يوجد هذا النموذج.
سوريا : انتقادات متواصلة
تحت عنوان «ماذا نفعل في الأزمة السورية؟»، نشرت «لوس أنجلوس تايمز» يوم الأحد الماضي، افتتاحية، رأت خلالها أن تصريح أحد مسؤولي الأمم المتحدة، الذي تطرق فيه إلى أن مستويات عليا في الحكومة السورية تساهم في ارتكاب جرائم حرب، هذا التصريح يجدد السجال حول متى وأين وكيف تتدخل الولايات المتحدة في أزمة خارجية. وحسب الصحيفة، فإن بعض منتقدي سياسة أوباما الحذرة تجاه سوريا يطالبونه بزيادة المساعدات المقدمة إلى المعارضة السورية، كي تتمكن من الإطاحة بالأسد. وآخرون يطالبونه بخطوة أبعد تتمثل في تدشين منطقة حظر طيران مشابهة لتلك التي تم تطبيقها في ليبيا قبيل الإطاحة بالقذافي، وهناك أصوات أخرى تعارض العمل العسكري ضد سوريا، لكنها ترى أن إدارة أوباما على خطأ كونها أضفت «شرعية» على نظام الأسد عندما تفاوضت معه على السلاح الكيماوي، وأيضاً على عقد مؤتمر جنيف-2 الذي يفترض أن تشارك فيه الحكومة السورية. ومع تفاقم الأوضاع الإنسانية في سوريا، فإن أي حملة عسكرية أميركية أحادية- حتى ولو حظيت بدعم الكونجرس وهذا أمر غير محتمل- سيفاقم معاناة السوريين، وسيزيد من صعوبة الحل السياسي الذي يظل الأفضل لإنهاء العنف في سوريا. الصحيفة ترى أن الحرب الأهلية في سوريا قد تدفع باتجاه تدخل عسكري لأغراض إنسانية، وفق مبدأ «مسؤولية الحماية» الصادر عن الجمعية العامة عام 2005. واستنتجت الصحيفة أن الوضع في سوريا أكثر تعقيداً من الوضع في جمهورية أفريقيا الوسطي التي اتخذ مجلس الأمن الدولي بشأنها قراراً بالإجماع يقضي بنشر قوات حفظ سلام لحماية المدنيين. ففي الحالة السورية تستخدم الصين وروسيا حق النقض «الفيتو» لعرقلة أية قرارات دولية تعاقب الأسد، وترفضان أيضاً إنشاء منطقة حظر طيران كتلك التي تم تدشينها في ليبيا. الحرب السورية أسفرت عن ما يزيد على 100 ألف قتيل وشردت مليوني نسمة، ويبدو أن غياب التوافق حول سوريا يؤدي إلى سلبية كارثية ويدفع المدنيون الثمن.
تظاهرات أوكرانيا
خصصت «واشنطن بوست» افتتاحيتها يوم أمس لرصد تطورات المشهد السياسي في أوكرانيا، فتحت عنوان
«التظاهرات الأوكرانية يجب أن تنتهي من خلال التفاوض على تسوية»، رأت الصحيفة أن أوكرانيا باتت حائرة بين قمع التظاهرات أو التفاوض السياسي مع المتظاهرين. ففي الوقت الذي تلقى فيه الرئيس الأوكراني عرضاً من ثلاثة رؤساء سابقين بالتفاوض مع المعارضة لإنهاء التظاهرات، أرسل قوات مكافحة الشغب إلى وسط كييف لشن هجمات في الميادين التي ينتشر فيها أنصار أكبر أحزاب المعارضة. التهديد باستخدام القوة في التعامل مع المتظاهرين أسفر عن مكالمة هاتفية من جو بايدن نائب الرئيس الأميركي، الذي أشار خلالها إلى أن استخدام العنف لا ينسجم مع الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة وأوكرانيا. ومن المفترض أن تصل إلى كييف وفود تضم مسؤولين أوروبيين وأميركيين كي يوضحوا للرئيس الأوكراني أن استخدام القوة مع المتظاهرين سيؤدي إلى عقوبات تطال حكومته وكبار المسؤولين الأوكرانيين. وتتبنى الصحيفة خلاصة مفادها أن إبرام تسوية سياسية حل يصب في مصلحة الحكومة والمعارضة، أي يخدم كلا الطرفين. وعلى الرغم من أن المعارضة المؤيدة للغرب حشدت مئات الآلاف في العاصمة الأوكرانية وفي مدن أخرى، فإنها لا تمتلك وسيلة قانونية لإجبار الرئيس فيكتور يانكوفيتش على ترك منصبه، فهو فاز في انتخابات ديمقراطية أجريت عام 2010. وحسب الصحيفة، فإن المعارضة الأوكرانية تمثل أفضل ما لدى أوكرانيا من شباب صاعد وطبقة وسط، وإذا انضمت كييف إلى الغرب فإن حلم تدشين قارة أوروبية ديمقراطية موحدة سيصبح من الممكن تحقيقه، غير أنه من الضروري أن تسلك القوى الأوكرانية المؤيدة للغرب مسارات وتنتهج تكتيكات سلمية ديمقراطية. أما الرئيس الأوكراني الذي تسبب في هذه الأزمة عندما أدار ظهره فجأة للاتحاد الأوروبي، فإنه لا يزال بحاجة إلى الغرب. وإذا كان يانكوفيتش بصدد قبول مطلب بوتين الخاص بانضمام كييف إلى اتحاد جمركي مع موسكو، فإن هذه الخطوة ستثير غضب المعارضة وأيضاً النخب الغنية في البلاد، فالركود الاقتصادي سيحول أوكرانيا في القرن الحادي والعشرين إلى نسخة جديدة من بولندا في ثمانينيات القرن الماضي، وسيجعلها معزولة عن العالم الحر. وتشير الصحيفة إلى أن مشكلات أوكرانيا المالية تأتي نتيجة تراكمات سنوات طويلة من سوء الإدارة، وحسب رئيس الوزراء الأوكراني تحتاج البلاد في العام المقبل إلى 10 مليارات دولار كي تدفع خبراء مستقلين المبلغ المطلوب بـ16 أو 18 مليار دولار. صحيح أن بوتين منح أوكرانيا استراحة من فاتورة الغاز ومن بعض الديون المستحقة للبنوك الروسية، لكن من غير المحتمل أن تمول روسيا بمفردها أوكرانيا، ويبقى المسار الوحيد لتحقيق الاستقرار الاقتصادي في هذا البلد الاتفاق مع صندوق النقد الدولي كي يوفر التمويل اللازم والذي من خلاله تستطيع الحكومة الأوكرانية إجراء إصلاحات تتواءم مع الأسواق الحرة.
إعداد: طه حسيب