سبع استخلاصات من 2013 إلى 2014
يقول المثل: إن الأب هو ابن الفتى، ويعني ذلك ببساطة أنه لا يمكن فهم الأب أو الرجل كبير السن دون الرجوع لجذوره ونمط نشأته. بنفس المعنى مع اقتراب عام جديد، والتمني بأن يكون أفضل من سابقه، لا يمكن تحقيق هذا التمني وتوجيه العام الجديد دون أن نتعلم من العام الماضي. كيف يوجه إذن عام 2013 أحداث عام 2014؟ ما هي الاستخلاصات الأهم التي قد تساعدنا على توقع ما ينطوي عليه عام 2014، الذي يبدأ بأحمال ثقيلة من 2013 كما يظهر بوضوح في منطقتنا العربية؟
1- رغم بعض انتكاساته فإن أحداث «الربيع العربي» تستمر في توجيه أحداث المنطقة، وسياستها - سلباً أم إيجاباً- فالتغيير حدث بالفعل بسقوط أربعة رؤساء بعد أن استمروا في الحكم في المتوسط بين 30 و40 عاماً. لكن المرحلة الانتقالية لم تبلغ هدفها المنشود في التحول الديمقراطي، بل كانت هذه المرحلة الانتقالية مرحلة انتقامية، وتغيرت احتجاجات «الربيع العربي» من «سلمية... سلمية»، كما كان الشعار في ميدان التحرير أو شارع بورقيبة، إلى دموية وكثير من الدماء.
2- أكبر ما يرمز إلى دموية التغيير ليس مصر أو ليبيا أو اليمن أو تونس، ولكن سوريا، وأوضح عام 2013 خطأ تفاؤلنا بالسقوط السريع لنظام الأسد الذي كان متوقعاً، لكن ما حدث غير متوقع، أي استمراره رغم دمويته وتدهور شرعيته. لماذا إذن؟ وماذا نتعلم من الحالة السورية؟ نتعلم أهمية الدعم الخارجي، دبلوماسياً وعسكرياً، والفيتو الروسي أو الصيني الذي أصاب مجلس الأمن بالشلل، إلى الدعم العسكري على الأرض من إيران و«حزب الله». وفي رأيي أنه بالإضافة إلى مأساة اللاجئين والكارثة الإنسانية في سوريا، هناك عاملان نتعلمهما من الحالة السورية وسيتردد صداهما في عام 2014 في أنحاء المنطقة العربية؛ الجيش كعمود فقري، ودور بعض الإسلاميين في هزيمة التحول الديمقراطي.
3- بالإضافة إلى اعتماد النظام على بعض مواليه وزبائنه، فإن الحسم لا يزال في يد الجيش. كان هذا هو الاستخلاص الأهم في بداية «الربيع العربي» في تونس، وكذلك في مصر. عندما تخلى الجيش عن دعمه لزين العابدين بن علي ولمبارك لم يستطع أي منهما الاستمرار في الحكم، بل إن الجيش لا يزال هو آلة الحسم الرئيسية في المرحلة الانتقالية، عندما قام الجيش المصري بعزل مرسي واعتقاله في أوائل يوليو عام 2012.
4- دور الإسلاميين أكثر غموضاً وتعقيداً، لكن مراقبة الأحداث تبين أنهم أعاقوا التحول الديمقراطي بدل أن يحققوه، ولا يرجع هذا إلى الكلام المعاد من جانب الإسلاميين الحركيين حول الديمقراطية بوصفها «عقيدة مستوردة»، ولكن إلى ممارسات الإسلاميين أنفسهم. وفي الواقع فإن من أهم نتائج «الربيع العربي» أننا لا نتكلم عن الإسلاميين كمعارضين فقط، ولكن كممارسة حكم. فـ«الإخوان» في مصر نكثوا وعودهم، واحتكروا السلطة بدلاً من المشاركة فيها، وبالتالي أصبحوا جزءاً من نمط السلطوية العربية، كما أنهم في سوريا أساءوا السلوك على الأرض وبالتالي شكلوا إنقاذاً للنظام الدموي على أساس أن «العفريت الذي تعرفه أفضل من الذي لا تعرفه». وأدى هذا أيضاً إلى تردد بعض الدول الغربية في تسليح المعارضة، على أساس أن بديل نظام الأسد قد يكون أسوأ منه. وقد نتناول هذه العلاقة بين سلوكيات الإسلاميين في الحكم وانتكاسة التحول الديمقراطي بمزيد من التفصيل في مقال آخر. لكن «الربيع الإسلامي» سرعان ما أصبح شتاءً.
5- في كل هذه التغيرات والتحولات صمدت الملكيات العربية، من الأردن إلى المغرب، وكما نعلم فإن هذين البلدين لا يمتلكان موارد بترولية، كما أن الموارد البترولية لم تمنع نظاماً جمهورياً بترولياً، مثل نظام القذافي، من السقوط والاغتيال. هل هناك توافق جيني إذن بين الشعوب العربية وبين النظام الملكي؟ وهل النظام الملكي أكثر قدرة على القيام بإصلاحات محدودة لمنع الثورة من الحدوث؟
6- وبينما تصمد الملكيات أو تقدر على تبني منهج الإصلاح التدريجي، فإن بعض دول «الربيع العربي» لا تزال تثبت أن ثمن التغيير مرتفع جداً، وهنا تأتي على الذهن الحالة السورية وتكلفة إعادة بناء الدولة والبنية التحتية في مرحلة ما بعد انتهاء الحرب الأهلية. أما حالة ليبيا فتبين أنه بعد سقوط رأس الحكم، فإن المجتمع يتفتت والدولة تتآكل وقد تختفي. فقد تدهورت مكانة وترتيب كل دول «الربيع العربي» على مقاييس التنمية وباتت أقرب إلى نموذج الدولة الفاشلة أو المنهارة، وستظهر آثار هذا الانزلاق أكثر فأكثر في سنة 2014، خاصة مع تزايد عدد اللاجئين والنازحين. ورغم وجود تأثير العامل الخارجي في عصر «القرية الكونية»، فإن العنصر الداخلي والإقليمي العربي يزداد ضموراً، فالجامعة العربية قد لا تصبح أكثر من شعارات مكررة ومعادة. أما القوة المعنوية والمالية لدول الخليج فستزداد حضوراً في توجيه النظام الإقليمي العربي. هذا بينما يظهر أكثر فأكثر تخبط السياسة الأميركية وتدهور مكانة العامل التركي. إنه استثمار مهم من جانب دول الخليج، ليس فقط لمنع مزيد من الاضطراب في دول «الربيع العربي» ولإيقاف فوران أوضاعها الداخلية إلى الخارج، وإنما أيضاً لتكون هذه الدول ظهيراً لمنطقة الخليج العربي في صراعها مع إيران، سواء أصبحت هذه الأخيرة نووية أم لا.