في وداع عام 2013
كما نفعل كل عام، نتوقف الآن أمام جردة حساب لأهم وأبرز المسارات والتطورات في عام آخر يرحل.. وفي تلخيص لأحداث سابقه عام 2012 سجلت على صفحات «الاتحاد» بعض التنبؤات التي تحقق العديد منها. كتبت حينها في مقال «حصاد عام 2012... الظواهر والمسارات» معلقاً: «كان عام 2012 من تلك الأعوام الصعبة التي مرت على العالم بأسره. وسط مخاوف من التقسيم والتفتيت وتمدد الثورات وتعثر الربيع العربي وصعود الآخرين وخاصة روسيا والصين والتراجع الأميركي بعد التقوقع بسبب عام الانتخابات والأزمة الاقتصادية وحافة الهاوية المالية التي استنزفت أميركا، وجعلت روسيا والصين تتنمران عليها في أكثر من ملف أبرزها الثورة السورية باستخدام الفيتو، وخاصة مع تحويل بوصلة أميركا باتجاه آسيا والصين. وفي إسرائيل بتحدي نتنياهو لأميركا حول المستوطنات. ولم ينجح الضغط الأميركي أيضاً في وقف إصرار فلسطين على الذهاب إلى الأمم المتحدة والحصول على وضع دولة مراقب غير عضو في المنظمة الدولية، بتأييد أصوات أكثر من ثلثي دول العالم، مقابل معارضة 9 دول فقط على رأسها الولايات المتحدة وإسرائيل». واليوم أضيف على تلك المسارات والظواهر والتنبؤات ما حدث من تطورات متعددة في عام 2013... فقد استمرت أجراس التقسيم والتفتيت تقرع بقوة... مهددة بتفشي المزيد من الوهن والضعف في الجسد العربي، حيث استمر عجز العرب عن إطلاق مشروعهم بالرغم من مخاض نظام شرق أوسطي جديد لم تكتمل أركانه في عام 2013. وظهر التشظي والتحديات العربية في سوريا ومصر وليبيا والعراق ولبنان واليمن والصومال، وحتى دول الخليج التي بالرغم من حجم التحديات والقلق من واشنطن لم تطلق المشروع الخليجي الكبير بعد عامين من مبادرة خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز الداعية إلى الانتقال إلى الاتحاد الخليجي الذي لم يعلن في قمة الكويت... بل أعلن تأجيل البت في الاتحاد في هذه القمة ورحّل إلى قمة أخرى، واستعيض عنه وقتياً بـالعمل على خلق «قيادة خليجية عسكرية موحدة». وفي عام 2013 أيضاً استمر النزيف في سوريا، الجرح المفتوح الذي يهدد بحرب إقليمية واسعة وحرب مذهبية قد تمتد من سواحل المتوسط إلى عموم المشرق العربي.. وقد استمرت المذابح هناك، وانتهى العام بهجمات البراميل المتفجرة على حلب، ولم تمنع خطوط أوباما الحمراء نظام الأسد من استخدام السلاح الكيماوي ضد شعبه أكثر من مرة... كما استمر سقوط الضحايا أيضاً حتى الآن وكأنه مسموح قتل الشعب بالسلاح التقليدي ولكن ليس بالكيماوي، ما أضعف ثقة الحلفاء الإقليميين بحليفهم الأميركي، وخاصة بعد أن أطلق البعض على أوباما صفة «المحارب المتردد»! وبعد ظهور فضيحة تجسس وتنصت وكالة الأمن الوطني الأميركي حسب ما كشفه متعاون الاستخبارات الأميركي المنشق إدوارد سنودن -على مواطنيها وحلفائها وأصدقائها- استمر الغياب الأميركي أيضاً وزاد، وقد كتبتُ هنا مقالات عن هذا الغياب الأميركي من ضمنها مقال حمل عنوان: «لحظة السويس الأميركية»! وقد أبرزت بعض أبعاد انكفاء أميركا، وكيف أن أولويتها اليوم هي للشؤون الداخلية والاستدارة نحو آسيا والصين.. وأن الهموم الداخلية تحظى بالأولوية خاصة بعد إغلاق الحكومة بسبب العناد والصراع والخلافات المتفاقمة بين أوباما وخصومه الجمهوريين في مجلس النواب... وأيضاً بسبب تعثر برنامج أوباما للرعاية الصحية. وانتهى العام بتراجع شعبيته واعتقاد أغلبية الأميركيين أن الوضع الاقتصادي لا يزال متراجعاً.. وهم لا يريدون الانغماس في حروب خارجية، ما فرمل أي عمل عسكري قد تقوم به واشنطن سواء ضد سوريا أو إيران. ولذلك كانت الاستدارة الأميركية عن توجيه ضربة عسكرية ضد نظام الأسد، بعد أن ضمنت واشنطن وإسرائيل تدمير سلاحه الكيماوي. وكذلك كان الغزل الأميركي الإيراني الذي حقق اتفاقية مرحلية حول برنامج طهران النووي ووقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% مع فترة اختبار لإيران على مدى الستة أشهر القادمة، ما أثار حفيظة وقلق بعض حلفاء واشنطن الإقليميين، وحتى إسرائيل حيث وصف نتنياهو الصفقة بأنها خطأ تاريخي وليست صفقة تاريخية. كما كتبت أيضاً عن الشأن العربي مؤكداً أنه بعد كل التحديات والصراعات والمخاض الإقليمي الجديد، وبعد إرهاصات ثلاثة أعوام، لم يعد من أثر لما تبقى من «الربيع العربي».. الذي حذرت قبل عام من احتمال تعثره، فإذا به ينتهي دون أن يحقق أهدافه... ففي مصر الدولة العربية الأكبر التي كتبت عنها مقالاً بعنوان: «ثورتان وثلاثة رؤساء في عامين»! خرجت مظاهرات مليونية قادت لإقصاء مرسي، وتمت صياغة دستور جديد، ووضعت خريطة طريق، وحددت انتخابات برلمانية ورئاسية في عام 2014.. وفي نهاية عام 2013 أعلنت جماعة «الإخوان المسلمين» جماعة إرهابية. ولم ينجح لبنان في تدوير الزاوية، وكان عام 2013 صعباً عليه حيث استمر كصندوق بريد ومسرح للرسائل وحروب الآخرين على أرضه. ولأول مرة في عام 2013 بدأ لبنان يدفع ثمن تدخل «حزب الله» في الأزمة السورية حيث اعترف أمين عام الحزب بدور مسلحيه في القتال في سوريا... لينتهي العام على إيقاعات تفجير السيارات المفخخة في الضاحية الجنوبية، وفي طرابلس، وأخيراً استهداف السفارة الإيرانية في بيروت، وقبل أن يرحل عام 2013 قتلت أيضاً سيارة مفخخة وسط بيروت الوزير ومستشار الرئيسين الحريري والسنيورة ووزير المالية الأسبق محمد شطح.. حيث اغتيل الاعتدال، وزاد منسوب التوتر والشحن الطائفي والمذهبي، بعد توجيه أصابع الاتهام لخصوم قوى 14 آذار وعلى رأسهم «حزب الله» والنظام السوري، وهو ما لمح إليه رئيس الوزراء اللبناني السابق سعد الحريري، الذي يعيش خارج لبنان، حيث أكد أن «من قتل رفيق الحريري هو من قتل محمد شطح». وأضاف عليه رئيس كتلة «المستقبل» في مجلس النواب اللبناني فؤاد السنيورة أن «القاتل هو نفسه وحلفاؤه اللبنانيون.. وصلت الرسالة المكتوبة بالدماء، وجوابنا لبنان الحرية والكرامة والعيش المشترك باقٍ والطغاة إلى زوال... ونطالب بتحويل ملف هذه الجريمة إلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان..». وهكذا عاد لبنان مجدداً ليستحضر أشباح الحرب الأهلية. وفي العراق استمر الاحتقان الطائفي وتهميش السُّنة، واعتصامات الأنبار أكملت عاماً، وزاد الشحن المذهبي والقتل على الهوية واستهداف المناطق السنية، واغتيال شيوخ العشائر وأئمة المساجد، وترحيل السنة من المناطق الشيعية، مقابل استهداف «القاعدة» والسيارات المفخخة للمناطق وزوار المراقد الشيعية.. وانتهى عام 2013 بتهديدات حكومة المالكي بفض اعتصام الأنبار، وتحدٍّ من القيادات في المحافظة.. وفي المجمل فستثبت الإحصائيات أن عام 2013 كان هو العام الذي سقط فيه أكبر عدد من القتلى في العراق منذ عام 2008. وفي هذه الأثناء يستمر العراق مقسماً على خطوط الصدع المذهبي وهو يتحضر لانتخابات برلمانية في أبريل القادم. وفي عام 2013 عادت «القاعدة» لتضرب، وزاد منسوب تطرف الإسلاميين من «داعش» و«جبهة النصرة» في سوريا، إلى «بوكو حرام» في نيجريا ومالي وأفريقيا الوسطى والصومال، والاعتداء على عمال نفط في الجزائر، والمجمع التجاري في نيروبي. وفي الجانب الإيجابي استمرت دول مجلس التعاون الخليجي في لعب الدور القيادي في النظام العربي.. من قوة حضور ومبادرات ودعم للدول العربية وخاصة في مجال التنمية، وفي الإنجازات، وحققت إمارة دبي إنجازاً تاريخياً يحسب لدولة الإمارات العربية ودول الخليج والعرب عامة تمثل في الفوز باستضافة إكسبو 2020 في مدينة دبي.. ولكن في المجمل، انتهى عام 2013 بكل غصاته وآلامه ومخاضه.. وسيسلم الراية لعام 2014 الذي نأمل أن يشهد تغييراً حقيقياً إلى الأفضل، بما يعوضنا عن آلام وأحزان واضطرابات عام أفضل ما فيه هو رحيله.