تصادف أنني كنت في ليلة وقوع العملية الإرهابية الوحشية في مدينة المنصورة في ديسمبر 2013 أستعد للسفر إلى جامعة المنصورة في زيارة علمية. وتصادف قبل ذلك بسبع وخمسين سنة أنني كنت عصر اليوم الذي قامت فيه قوات العدوان الثلاثي بتدمير وإحراق مدينتي بورسعيد أقف في تراس بيتنا لأراقب طائرات العدوان. تدمير ألف منزل بشحنة متفجرات حديثة الصنع في المنصورة بواسطة الإرهابيين المحليين وقتل عشرات الأفراد عمل لا يختلف في تقييمه الأخلاقي عن تدمير عشرات الألوف من المنازل وقتل عشرات الألوف من المدنين في بورسعيد على يد الغزاة الاستعماريين. لن يخالفني عاقل يتمتع بالأخلاق الجميلة إذا قلت إن الواجب اليوم في مصر وفي وطنها العربي هو استجماع الروح والعزيمة التي وقف بها المصريون والعرب كافة في وجه العدوان الثلاثي لمواجهة خطر الإرهاب المتجدد اليوم. عندما أصف الغُزاة والإرهابيين معاً بالانحطاط الأخلاقي وبمعاداة جوهر الإسلام والأديان السماوية، فإنني لا أفعل هذا بعيداً عن التجربة المباشرة. لقد حدث بعد أربعين عاماً كاملة من وقوع الحريق الكبير في مدينة بورسعيد عام 1956 أن التقيت في دولة عربية بأحد الطيارين البريطانيين الذين شاركوا في الحملة العدوانية. كانت عبارات الطيار وهو يتحدث عن ذكرياته شديدة البرودة وكانت خالية من روح ندم أو إحساس بالعار قال لي الرجل عندما علم أنني مصري من مدينة بورسعيد. لقد عملت في مدينتكم عدة شهور عام 1956. سألته دون أن أتوقع نوع الإجابة أين عملت؟ فأجاب (I WAS BOMBING YOU)، أي لقد كنت أقصفكم بالقنابل. أصابتني صدمة مروعة وعندما تمالكت غضبي سألته هل كنت تعلم أنك تقصف مساكن بها مدنيون؟ أجابني في هدوء نعم فلم يكن لديكم شيء آخر يمكن قصفه. عندما تطاير الشرر من عيني قرر الطيار أن يتجنب الصدام على الأرض وجهاً لوجه فقال محاولاً تهدئتي لا تغضب مني فلقد كنت أنفذ الأوامر وأقوم بواجبي ولم أكن أستطيع أن أقول لا فلقد كان عمري يقل عن عشرين عاماً. هذا المنطق الذي يبرر به الغزاة الاستعماريون جرائمهم الوحشية ضد المدنيين والذي يستند إلى أداء واجب ما هو نفسه المنطق الذي يعتمد عليه الإرهابيون في شحن عقول الشباب المغرر به بنزعة العدوان على المدنيين المسالمين. أداء الواجب هو الشعار الذي تختفي تحته أحط أنواع التفكير التي تحض على القتل الحرام بالمفهوم الديني والقتل الإجرامي بالمصطلح القانوني. في عام 1956 وفوق بورسعيد كان الشعار الذي يزين للطيارين الغزاة قتل الأطفال والنساء والمدنيين هو واجب المصلحة الوطنية لأوطان الاستعماريين وها نحن في عام 2013، نجد أن استخداماً مماثلاً يحدث. ذلك أن الشاب الذي فجر نفسه مع السيارة المفخخة في المنصورة كان بالتأكيد يتصور أنه يقوم بواجب ما على الأغلب هو محاربة «مجتمع كافر» طبقاً للتلقين الذي تلقاه في ماكينة غسيل الأدمغة والعقول المضللة. إننا أمام مشكلة علينا مواجهتها بواسطة علماء الدين في الدرجة الأولى، فكيف نسمح بجريمة تكفير مجتمع مسلم وزرعها في عقول الشباب لدفعه إلى الانتحار وهو يقتل مسالمين أبرياء. أرجوكم يا علماء الإسلام تحركوا لوقف هذا الانحطاط العقلي والسلوكي.