مصالح الشركات: المساهمون أم الأهداف؟
تمثل الشركات أهم الكيانات الاقتصادية في أي اقتصاد حديث، وهي إطار قانوني لممارسة النشاط التجاري. وكما أن القانون يرسم الأشكال التي تتخذها الشركات وإجراءات تأسيسها، فإنه كذلك يرسم القواعد الأساسية حول كيفية إدارة الشركات.
وفي الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه «بوصلة الشركة... محاولة لتحديد المصلحة التي تبتغيها الشركة»، يركز مؤلفه الدكتور عبدالسلام محمد البلوشي، الخبير المختص بالقانون التجاري وقانون الشركات والمستشار القانوني لسوق أبوظبي للأوراق المالية، على تحديد المقصود بالمصلحة التي يتعين على إدارة الشركات أن تعمل على تحقيقها، والتفسير القانوني لمصلحة الشركة، كما يتناول المعايير القانونية التي تحكم مصلحة الشركة، ويتساءل: هل ينبغي لإدارة الشركة أن تعمل على حماية مصالح الشركة فحسب، أم أن هناك مصالح أخرى ينبغي أن تعمل على حمايتها؟
لاشك في أن عدم وضوح الدور الذي ينبغي أن تؤديه الشركات يؤثر سلباً في الاقتصاد والمجتمع كافة، ذلك أن تحديد المصلحة التي ينبغي أن تعمل إدارة الشركة على حمايتها، يمكِّن من تحديد دور إدارة الشركة، وإبراز سلطاتها ومسؤولياتها، وتحديد ما إذا كان لها -من الناحية القانونية- دور اقتصادي واجتماعي في الوقت الحالي.
وكما يشرح المؤلف فإن بعض المصطلحات الجديدة التي بدأ تداولها في الفكر القانوني الحديث، مثل: مفهوم أصحاب المصالح، ومفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات، أثارت خلافاً فقهياً حول المصلحة التي يتعين أن تعمل إدارة الشركة على حمايتها، وهل هي مقتصرة على مصلحة الشركاء، أم تشمل جميع الأطراف التي لها مصالح مشروعة مرتبطة بالشركة، ومن ثمّ تعلو فكرة المصلحة الجماعية؟
وإلى ذلك، فإن تحديد مصلحة الشركة له تأثير في تحديد السياسات التي ينبغي أن تتبعها إدارة الشركة، خاصة ما يتعلق منها بالقرارات الجوهرية كنوع النشاطات والاستثمارات التي تمارسها الشركة، وإدارة المخاطر، وتوزيع الأرباح والاندماج. ويمثل تحديد المصلحة الهدف الذي تعمل إدارة الشركة على تحقيقه، ومن ثمّ فإن له تأثيراً في القيمة السوقية للشركة وفي أسهمها؛ لأن المستثمرين والمساهمين ينظرون إلى مدى نجاح الشركة في تحقيق أهدافها كمعيار لاتخاذ القرارات المتعلقة بشراء أسهم الشركة أو بيعها أو الاحتفاظ بها.
ويستعرض الكتاب أهم المواقف القانونية في هذا الصدد، حيث ينادي الرأي التقليدي بأن الشركة عبارة عن عقد وأن إدارتها يجب أن تعمل على تحقيق مصلحة الشركاء. وطبقاً للمفهوم التعاقدي التقليدي، وهو المنصوص عليه إلى الآن في قوانين الشركات، فإن الشركة تمثل رابطاً تعاقدياً بين الشركاء يسعون من ورائه إلى تحقيق مصالحهم. وتأسيساً على ذلك، فمصلحة الشركة ليست سوى مصلحة الشركاء أو المساهمين، وهذه المصلحة ينبغي أن تكون محمية من قبل القانون لأنها تشجع على الاستثمار وتقديم الشركاء لرأس المال والمساهمات. لكن منتقدي هذا الرأي يردون بالقول إن الشركة تمثل شخصية معنوية منفصلة عن الشخصيات القانونية للشركاء، ولها مصلحة منفصلة عن مصالح الشركاء، ومن ثم يرى مؤيدو فقه المشروع الاقتصادي للشركة أن مصلحة الشركة تكمن في تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله. وإلى ذلك، ظهرت نظرية النظام القانوني إزاء تراجع المفهوم التعاقدي للشركة. وطبقاً لهذه النظرية فإن القانون هو الذي ينشئ الشركة ويحمي مصلحتها، ومن ثم فالشركة كنظام أو آلية قانونية، لها مصلحة عليا ومستقلة عن مصلحة الشركاء.
وحيث إن التشريعات المختلفة نصت على مصطلح «مصلحة الشركة»، يرى المؤلف ضرورة التقريب بين مفهوم المصلحة الجماعية في الفقه اللاتيني ونظرية أصحاب المصالح في الفقه الأنجلوسكسوني؛ فهما مفهومان متقاربان إلى درجة كبيرة، ويمثلان تفسيراً موسعاً لمفهوم مصلحة الشركة. لذلك يشيد الكتاب بقانون الشركات الإنجليزي لسنة 2006، والذي يراه خطوة نحو الاعتراف بنظرية أصحاب المصالح، وهي نظرية تعترف بالمفهوم الموسع لمصلحة الشركة. كما يوصي بإعادة النظر في تعريف الشركة في مشروع قانون الشركات التجارية الإماراتي الذي اعتمده مجلس الوزراء في 4 ديسمبر 2011؛ لأن الشركة ليست مجرد عقد، وإن كانت تبدأ بعقد، بل هي أيضاً نظام قانوني يبدأ بدخول الأطراف في اتفاق بينهم، لتخضع بعد ذلك لتنظيم القانون. ولذلك، فإن اعتراف القانون بمفهوم النظام أو الآلية القانونية، ضروري لمسايرة التطور الفقهي الحاصل منذ عقود في قانون الشركات.
محمد ولد المنى
الكتاب: بوصلة الشركة... محاولة لتحديد المصلحة التي تبتغيها الشركة
المؤلف: عبدالسلام محمد البلوشي
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2013