في منتصف العقد الماضي، تجاوز متوسط معدلات النمو في الأسواق الناشئة عتبة السبعة في المئة للمرة الأولى على الإطلاق، وتسابق المحللون على الترويج لتداعيات هذا النمو، وتوقعوا أن تتجاوز الصين الولايات المتحدة سريعاً كقوة اقتصادية، وأن تحذو الهند بتعداد سكانها الضخم، أو فيتنام باتجاهها صوب الرأسمالية السلطوية، حذو الصين. وبحثاً عن النتائج السياسية، توقع المثقفون أن تقود بكين سريعاً تكتل دول «بريكس» الصاعد، الذي يشمل البرازيل وروسيا والهند والصين، وتتفوق في النهاية على القوى الغربية المتلاشية. وبدأ التسابق على صياغة تكتلات ناشئة أخرى فظهرت مجموعة «سيفتس» التي تضم كولومبيا وإندونيسيا وفيتنام ومصر وتركيا وجنوب أفريقيا، وتكتل «ميست» الذي يضم المكسيك وإندونيسيا وكوريا الجنوبية وتركيا. وأما الآن، بعد مرور أكثر من خمسة أعوام على اندلاع الأزمة المالية العالمية في عام 2008، يبدو أن الفرح الشديد بجل هذه التكتلات تحول إلى حزن، إذ تراجع متوسط معدلات النمو في الدول الناشئة إلى أربعة في المئة خلال العام المنتهي. وفي غضون ذلك، تعاني دول مجموعة «بريكس» حالة انهيار، ولكل واحدة منها أسبابها الخاصة، وعلى رغم انعقاد مؤتمراتها، إلا أنها تبرز بشكل كبير مدى صعوبة تشكيل تكتل قوي يضم أنظمة ديمقراطية، وأخرى استبدادية تتعارض مصالحها الاقتصادية. ومع تلاشي الترويج لنمو الاقتصادات الناشئة، يعكف المحللون على إعادة النظر في الأخطاء التي اقترفوها في ذروة الازدهار الاقتصادي. ولا شك في أن أخطاء المحللين كانت فادحة، إذ توقفوا عن النظر إلى الأسواق الناشئة كحالات فردية، وبدؤوا التعامل معها كتكتلات مجهولة بأسماء براقة، وأنصتوا بعناية إلى الزعماء السياسيين في العالم الناشئ الذين تحملوا المسؤولية عن الازدهار، وتجاهلوا القوى العالمية الأخرى في أمور مثل«الأموال الساخنة» التي خرجت من الولايات المتحدة وأوروبا، والتي ساعدت على النمو. واعتمد المحللون بشكل كبير في تكهناتهم على عوامل مفردة، مثل الخصائص الديموغرافية أو العولمة، في حين تظهر الأبحاث مجموعة من القوى المركبة التي تدفع النمو الاقتصادي. وزعموا أن المؤشرات الأخيرة ستستمر إلى الأبد، وأن الاقتصادات الجاذبة ستبقى كذلك، متجاهلين الطبيعية الدورية المتأصلة في كل من التطورات السياسية والاقتصادية. وفي هذه الأثناء، ألقى الازدهار الاقتصادي أيضاً الضوء على خطأ تقليدي آخر في التوقعات، وهو الاعتماد على نظريات العامل الواحد، فبالنظر إلى أن الازدهار في الصين اعتمد جزئياً على العمالة الرخيصة التي عززتها زيادة شريحة الشباب، بدأ المحللون البحث عن اقتصادات أخرى جاذبة في دول تتمتع بامتيازات ديموغرافية مماثلة، بغض الطرف عن تحدي تطوير قطاع صناعي قوي يوفر فرص عمل للجميع. والمشكلة في نظريات العامل الواحد أنها تفتقر إلى الارتباط بالأحداث الجارية، أو الأخذ في الاعتبار العوامل الأخرى التي تميز كل دولة عن الأخرى. غير أن وضوح هذه النظريات يجعلها جاذبة، لكنها تتجاهل التغيرات السريعة في التنافسية العالمية، ومن ثم لا تقدم سيناريوهات مقنعة بشأن الخطط الأساسية خلال فترة الأعوام الخمسة والعشرة المقبلة. وفي الواقع، وعلى رغم كره المحللون الاعتراف بذلك، فإن النجوم الاقتصادية الصاعدة هي دول كانت مهملة في العقد الماضي. فعلى سبيل المثال، أصبحت المكسيك التي كانت تعاني ركوداً اقتصادياً واحدة من أكثر الاقتصادات الواعدة في أميركا اللاتينية، وأضحت الفلبين، التي كانت أضحوكة، واحدة من أكثر الاقتصادات جاذبية في العالم، إذ يتجاوز نموها الاقتصادي خمسة في المئة. وفجأة تبدي باكستان الآن علامات على الاستقرار المالي، بعد أن وصمت على غلاف مجلة «ذي إيكونومست» قبل خمسة أعوام بأنها «أكثر الأماكن خطراً في العالم»، وكان لديها واحدة من أفضل أسواق الأسهم أداءً على الصعيد العالمي. وفي هذه الأثناء، كانت الدولة الأكثر إثارة هي اليونان، لا سيما أنه بعد أن خفض عدد من المؤشرات السوقية مؤخراً وضعها من سوق «متقدمة» إلى «ناشئة»، إلا أن الدولة حققت خفضاً كبيراً في الموازنة الحكومية والأسعار والأجور، التي جعلت صادراتها جاذبة مرة أخرى. وتلقي تجارب هذه الدول الضوء على أهمية الدورات السياسية كما هي الحال بالنسبة للدورات الاقتصادية فيما يتعلق بإمكانات الدول، وغالباً ما تفضي الأزمات وفترات التراجع إلى فترة من الإصلاح، التي يمكن أن تحدث ازدهاراً اقتصادياً. وإضافة إلى المكسيك والفلبين، تخوض كل من بيرو وتايلاند الآن معتركهما، إذا تتقاسم الدول الأربع الميزة المشتركة بين كافة النجوم الاقتصادية خلال العقد الأخير، وهي زعامة سياسية كارزمية تدرك معنى الإصلاح الاقتصادي ولديها تفويض شعبي بتطبيقه. لكن، لا ينبغي الإفراط في البهجة بهذه التوقعات مع ميل الحركات الإصلاحية إلى الاستمرار من ثلاثة إلى خمسة أعوام، لذا، ليس ثمة قرن فلبيني أو مكسيكي. وإذا كان المحللون يحتاجون إلى التفكير على المدى القصير فيما يتعلق بالوقت، فعليهم أن يفكروا بصورة شاملة عندما يتعلق الأمر بالتعقيد، وللحفاظ على النمو السريع، على القادة أن يوازنوا بين سلسلة واسعة من العوامل وقائمة طويلة من التغييرات مع زيادة الدولة غنى، ذلك أن المشاريع البسيطة، مثل تعبيد الطرق، يمكن أن تعزز اقتصاد دولة فقيرة أكثر من الدفع على نحو سابق لأوانه إلى تطوير تكنولوجيا متطورة. ومن بين قائمة العوامل الأخرى التي يتعين مراقبتها التغييرات التي تطرأ على الظروف الاقتصادية، فبعد مرور خمسة أعوام على الأزمة المالية العالمية، لا يزال الاقتراض يمثل مشكلة كبيرة، لاسيما إذا نما بمعدلات أسرع من إجمالي الناتج المحلي. وفي الواقع، تضغط كثرة الاقتراض على الاقتصادات الناشئة، مثل الصين، التي لجأت إلى الاستدانة للحفاظ على النمو الاقتصادي. ومن أجل الحفاظ على نمو اقتصاد دولهم، على الزعماء أن يتأكدوا من توازن النمو، بحيث لا يعتمد بشكل كبير على الاقتراض ولا يتركز في أيدي حفنة صغيرة من المليارديرات، ولا يتكدس في العاصمة فقط ويركز على الصناعات المثمرة. وعلى هؤلاء القادة أيضاً أن يوازنوا هذه العوامل بدرجة تتلاءم مع مستويات الدخل في دولهم، فعلى سبيل المثال تنفق البرازيل مبالغ ضخمة من أجل بناء دولة رفاهية كبيرة جداً بالنسبة لدولة يبلغ متوسط دخل الفرد فيها 11 ألف دولار سنوياً. ولا ريب في أن السكان المحليين يدركون المسار الذي يتخذه الاقتصاد قبل أن يظهر في أرقام التوقعات، وقبل أن يبدأ الاقتصاد الهندي في التراجع، تنبأ رجال الأعمال الهنود بتراجعه في سلسلة من الشكاوى بشأن الفساد، وأجبرهم ارتفاع تكلفة رشوة المسؤولين الحكوميين على الاستثمار في الخارج، على الرغم من تدفق المستثمرين الأجانب، وعليه، لا بديل عن الخروج ورؤية ما يحدث على أرض الواقع. ـ ـ ـ ـ ـ ـ ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»