عام من الإحباط على شتى المستويات لقد عرى «الربيع العربي» الدولة القومية العربية وسحقت تبعاته أوهام وأحلام شباب الميادين المتعطشين لشعارات الحرية والديمقراطية، الحالمين بعالم سعيد. فقد ضيعت ثورات «الربيع العربي» بوصلة مستقبل دولها، و فقدت الارتباط بماضيها، و ضاعت هويتها تحت أنقاض المدن المهدمة ودماء الضحايا. لقد سقطت الدولة الوطنية في فوضى سياسية برحيل أو قتل أو تنازل رئيس جمهوريتها السابق، ومن صور انقسام فلسطيني داخلي متصاعد وتوغل إسرائيلي إلى صور الحرب والدمار والتهجير في سوريا، انقسام وتفجيرات واغتيالات في لبنان، فيما صور العراق تحمل الدمار والطائفية والقتل، وأرض الكنانة لا تزال تعاني من تبعات «الربيع العربي»، وليبيا ترزح تحت مخاوف التقسيم والقبليات، واليمن لا يزال دولة القبليات بامتياز مع مزيج طائفي مستحدث، فتعرى النظام العربي خلال السنوات الثلاث الماضية ليزهر «الربيع العربي» حرب هويات مكبوته في ظل الدولة الوطنية لم تذوبها مفاهيم المواطنة وابتلعتها قسراً النظم الحاكمة، ومع أول الهزات للنظم السابقة برزت من جديد الهويات المذهبية. لقد احتلت المذهبيات والانقسامات المذهبية المشهد السياسي العربي لعام 2013 وبدا أن العرب ساسة وشعوباً قد فقدوا بوصلتهم السياسية وتسيّدت الحرب المذهبية المشهد السياسي في الشرق ألأوسط، وطغت على الخطاب السياسي حتى أن رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أعلن من كربلاء الحرب بين أنصار «الحسين» عليه السلام وأنصار «يزيد»، حسب توصيفه لسنة العراق! إنها الحرب الطائفية بين «الشيعة» و «السنة» فكيف يمكن لسياسي أن يحيي ثارات تاريخية ويزرع أحقاداً تاريخية بين مكونات شعبه. إنها الحروب والصراعات البدائية، حرب الهويات المكبوتة بين جنبات الدولة القومية التي أخضعت للسلطة السياسية وعند أول بادرة انهيار للنظام السياسي انفجرت براكينها، لم يكن تصريح المالكي مجتزأً عن سياق الأحداث السياسية في العراق أو سوريا أو لبنان واليمن والبحرين ومصر وتونس وبقية الدول العربية بنسب متفاوتة. وتعي شعوب بلدان «الربيع العربي» أن التغيير الديمقراطي المراد والمأمول يختلف عن التمردات الشعبية التي أدى إخفاقها إلى تعزيز الاستبداد وظهور الطائفية البغيضة، وأن فعالية تبني الخيار الديمقراطي لتجاوز الأوضاع المأزومة تكمن في العمل على تغيير وعي الأفراد وتعزيز المواطنة وهو نتيجة تراكم معرفي ثقافي وسياسي، ولذا فإن التعويل على ثورات «الربيع العربي» لإحداث تحول نوعي في تلك البلدان غير ممكن. لقد حمل «الربيع العربي» شعارات سياسية كبرى من قبيل: الديمقراطية، ودولة القانون، والانتخابات، والدولة المدنية، وحقوق الإنسان فيما التفكير الشمولي يطغى لدى أطراف المشهد السياسي العربي، و الولاءات المذهبية تتجاوز الحدود الوطنية. لقد انتهى «الربيع العربي» الذي بدأ قبل ثلاث سنوات بحرق البوعزيزي لنفسه في حرائق طائفية تجتاح الشرق الأوسط أشرسها حرب طائفية إقليمية دولية ساحتها سوريا. لقد سقطت دول «الربيع العربي» في دوامات العنف وعدم الاستقرار، ويقال إن الثورة الفرنسية احتاجت لثمانين سنة حتى ازدهرت واستقرت الدولة الوطنية، ولكن تبقى كذلك حقيقة أن صناديق الاقتراع لا تكفي لتأسيس ديمقراطيات مستقرة. لم يملك حالمو ثورات «الربيع العربي» وصفات سحرية للمجتمعات والدول العربية ولا يمكن الرجوع للأوضاع السابقة ولا القفز لمستقبل أكثر إشراقاً إلا في أوهام الحالمين أو المتفائلين بإفراط، وهناك حقائق ووقائع، فالشرق الأوسط يعاد تقسيمه بمشرط الهويات المذهبية، ويعاد ترتيب تحالفاته مذهبياً، سيؤسس العام 2014 لبدايات تشكل دول ودويلات ما بعد «سايكس- بيكو» جديدة تستند إلى بعض الحقائق على الأرض وإلى اضمحلال الحدود السياسية في دول فقدت السيطرة على حدودها بفعل الحرب والاقتتال الداخلي، وستظهر دويلات طائفية ودول أنهكتها الحروب والديون، تغيب الحاضر باستدعاء ثارات الماضي. حقيقة لا أملك ترف التفاؤل بعام جديد.