2014: عام القضايا المُرحّلة... والاستحقاقات المؤجلة!
لو تأملنا في الواقع سنرى أن هناك العديد من المسارات والظواهر في عام 2013 رُحلت من الأعوام السابقة ولم تتم بلورتها وتحويلها إلى استحقاقات.. وبالتالي تم تأجيل تلك القضايا المهمة التي تتفاعل وتؤثر في واقعنا ومستقبلنا، ووقع ترحيلها كاستحقاقات للعام الحالي.. ولعل أبرزها سبع قضايا واستحقاقات ما زالت بحاجة للالتفات إليها حتى لا نفوّت الفرص وتُرحل مجدداً للعام القادم. وتلك القضايا والاستحقاقات هي:
أولاً: مستقبل ومآل «الربيع العربي» بعد ثلاثة أعوام من أحداثه، وسط تعثر وخيبة أمل وعدم تحقيق الأهداف المأمولة، وتحوله إلى شتاء وفوضى وصخب وخيبات آمال خاصة للشباب الذي لعب الدور الأبرز في موجات التغيير. وفي مطلع العام الرابع لاستحقاقات «الربيع العربي» لا يبدو أنها ستلبي آمال الجماهير الثائرة. ومنذ البداية ذكرنا أن تلك الثورات بلا قيادة وبلا خطة غير إسقاط وتغيير النظم الحاكمة في تلك الجمهوريات حيث رفع شعار «الشعب يريد إسقاط النظام».. ولكن ماذا بعد ذلك؟ رأينا مراحل التغيير، كيف تبدلت وانقلبت.. ولا يبدو أن عام 2014 سيختلف، بل قد تستمر خيبات الأمل. ولكن قد تبدو تونس النموذج الأكثر نجاحاً، خاصة إذا نجحت في صياغة دستور ما بعد الثورة، ومعها أيضاً مصر التي صنفت «الإخوان» كجماعة إرهابية، وتحاكم القيادات الإخوانية. ولكن التحدي يكمن في التغلب على الانقسام والنجاح في اعتماد دستور جديد وتنفيذ خريطة الطريق.
ثانياً: استحقاقات الثورة السورية التي لا تزال تحصد المذابح المتنقلة والقتل الذي استخدم فيه الكيماوي والصواريخ بعيدة المدى والبراميل المتفجرة. وقد حصدت آلة قتل النظام أكثر من 130 ألفاً -حوالي نصفهم قتلوا في عام 2013 وحده وهو أكثر أعوام الثورة دموية. ولا يبدو أن عام 2014 سيشهد تغيراً في معادلة الموت على رغم استحقاق تسليم ترسانة السلاح الكيماوي السوري، واستحقاق جنيف 2، واستحقاق الترشح للرئاسة في الصيف القادم.
ثالثاً: مستقبل العلاقة بين حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة والإدارة الأميركية التي علقنا مراراً وتكراراً هنا على تراجعها وانكفائها وسعيها لبروز وكلاء ودول مركزية مهمة لتقوم بالحفاظ على الأمن والاستقرار بما يخدم مصالح وأهداف واشنطن في المنطقة.. وخاصة أن عام 2014 سيشهد المزيد من الانكفاء والتراجع الأميركي بالانسحاب من أفغانستان وتخفيض عديد قواتها والإنفاق العسكري في الشرق الأوسط ككل.
رابعاً: مآل ومسار التباين بين الولايات المتحدة وحلفائها الخليجيين وخاصة المملكة العربية السعودية الذي ظهر في الربع الأخير من عام 2013 مع ظهور التباين والخلاف العلني وتوالي حديث أكثر من مسؤول سعودي كوزير الخارجية ومدير الاستخبارات العامة والسفير السعودي في لندن، ومقربين من صنع القرار، بما يظهر الخلاف والتباين بين الرياض وواشنطن حول مصر وسوريا وإيران والعراق والبحرين، والحاجة إلى إعادة النظر في تلك العلاقة وسياسة ومواقف خارجية سعودية أكثر جرأة واستقلالية في سعي الرياض لصياغة نظام أمني عربي متكامل يشمل الدول المحورية مثل مصر والأردن والمغرب يكون رصيداً عربياً بدعم من مجلس التعاون الخليجي الذي ستسعى السعودية، على ما يبدو، للدفع به في عام 2014 لينتقل إلى مرحلة «الاتحاد الخليجي»كاستحقاق لمبادرة الملك عبدالله في القمة الخليجية بالرياض في ديسمبر 2011.
وسيكون ملفتاً متابعة السياسة الخارجية السعودية التي وعدت على لسان مسؤولين سعوديين بأن تكون نشطة وفعالة بعد رفض قبول مقعد غير دائم في مجلس الأمن، وكذلك دفعها لقيام اتحاد خليجي، وتقديم 3 مليارات دولار هبة للجيش اللبناني ليكون دوره موازناً لدور القوى الأخرى وخاصة «حزب الله». وكذلك في انتهاج استراتيجية قوية ومغايرة للموقف الغربي والأميركي وخاصة في قضايا مثل سوريا ومصر ولبنان. وكان ملفتاً أيضاً الاستقبال الحافل للرئيس الفرنسي في الرياض في آخر أيام 2013 وتوقيع اتفاقيات بالمليارات. وتصر السعودية على أن يتم تزويد لبنان بأنظمة أسلحة فرنسية وليس أميركية!
خامساً: استحقاق الاتحاد الخليجي، حيث سيبرز تحدٍّ في عام 2014 يتعلق بمستقبل مبادرة الملك عبدالله بن عبدالعزيز كقضية محورية مرحّلة من عام 2013 وخاصة بعد أن تم الانتهاء من مرحلة دراسة «الاتحاد الخليجي» الذي كان من المفترض أن تتم مناقشته في قمة الكويت الأخيرة في ديسمبر الماضي. ولكن كان التأجيل والترحيل. وهذا استحقاق مهم في ظل المتغيرات والتهديدات والحاجة إلى توحيد المواقف، وخاصة فيما يتعلق بالتهديدات الأمنية والتباين مع واشنطن، والصعود الإيراني والتقارب بين طهران والغرب، وخاصة واشنطن بعد ما تردد عن مفاوضات سرية حتى قبل انتخاب الرئيس حسن روحاني كانت تُجرى بين الأميركيين بمن فيهم وزير الخارجية جون كيري والإيرانيين، وما قد يترتب على ذلك من منح إيران دوراً إقليمياً -مقابل تجميد البرنامج النووي- قد يكون على حساب ومصالح الطرف الخليجي والعربي.
سادساً: مستقبل برنامج إيران النووي والعلاقة مع الغرب وواشنطن، حيث سيكون عام 2014 عاماً مفصلياً أيضاً بشأن التفاوض حول برنامج طهران النووي وخاصة مع نهاية فترة الستة أشهر التي تنتهي في منتصف العام الجاري كتجربة واختبار لنوايا إيران حول التزامها باتفاق الإطار المرحلي الذي تم التوصل إليه في جنيف في نوفمبر الماضي، والذي وافقت طهران بموجبه على وقف تخصيب اليورانيوم بنسبة 20% والتعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابل تخفيف بعض العقوبات ورفع الحظر على بضعة مليارات من الدولارات من أرصدتها المجمدة، مع إبقاء أقسى أنواع العقوبات النفطية والمصرفية على حالها.. والسؤال الذي يطرح نفسه وهو ما يقلق حلفاء واشنطن وخاصة الدول الإقليمية المشككة بنوايا إيران هو: ماذا ستقبض إيران مقابل هذا التنازل الكبير بشأن برنامج كلف مليارات الدولارات، ووضع إيران تحت وطأة أصعب أنظمة عقوبات في النظام العالمي؟ وهل تنازل إيران استراتيجي أم تكتيكي؟ وماذا عن مظالم ومطالب حلفاء واشنطن في دول الخليج عن التدخل الإيراني في شؤونهم وزعزعة الأمن، وآخرها قبل أيام اتهام السلطات البحرينية للحرس الثوري الإيراني بـ«تدريب ناشطين بحرينيين على تنفيذ تفجيرات في مملكة البحرين».
سابعاً: عودة خطر أنشطة تنظيم «القاعدة» وأفرعه وأشباهه من حركة «الشباب» و«كتائب عبدالله عزام» و«داعش» و«جبهة النصرة»، وتفاقم عملياتها من مالي والصومال إلى اليمن وسوريا ولبنان، وتأجيج الصراع السني الشيعي كظاهرة خطيرة تهدد تماسك العديد من الدول والمجتمعات وخاصة في سوريا ولبنان والعراق بل والمنطقة بأسرها.
هذه مسارات وظواهر واستحقاقات تتفاعل وتضغط على الدول والقيادات والمجتمعات وكل منها له أبعاده وتأثيره. سنعود لنفصل في كل واحد من تلك المسارات والظواهر في مقالات قادمة إن شاء الله.