في خمسينيات القرن المنصرم تشكلت الأحزاب القومية والاشتراكية والشيوعية، فكان عقد التحرر من الاستعمار والحريات، كما قيل لنا في دروس التاريخ. شهدت هذه المرحلة زخماً كبيراً من المساهمات الأدبية النسوية وكانت الروايات تحكي لنا معاناة المرأة وقضية المساواة والحرية وخيبة الأمل الكبيرة التي حملتها حركات التحرر العربية. اصطدمت الروائيات العربيات بواقع الأنثى التي اقتصر تاريخها وحاضرها على الرعاية والإنجاب، واعتبرت مهمة الكتابة الأدبية إضافية ولا معنى لها في ظل واقع يحاصر المرأة. الواقع الاجتماعي للمرأة حدد دورها بتلبية مطالب الرجل ضمن واقع ثقافي ذكوري حمل كثيراً من التناقضات، فهي تترنح بين دور الأم التي مجّدها التاريخ والثقافة وبين موقع الأنثى في ثقافة أحادية قللت من دورها الإنساني. روايتان لأديبتين عربيتين هما رواية «أنا أحيا» للبنانية ليلى بعلبكي ورواية «أيام معه » للسورية كوليت خوري، كانت لهما أصداؤهما في الوطن العربي وقد ووجهتا بالرفض. معالجتهما لقضايا المرأة جاءت جريئة ولم تضع اعتباراً للحواجز النفسية والاجتماعية التي حاصرت المرأة. ففي الفقرة الافتتاحية لـ«أنا أحيا» تقول بعلبكي: «فكرت وأنا أجتاز الرصيف، بين بيتنا ومحطة الترام: لمن الشعر الدافئ المنشور على كتفي؟ أليس هو لي، كما لكل حي شعره يتصرف به على هواه؟ ألست حرة في أن أسخط على هذا الشعر الذي يلفت إليه الأنظار حتى أمسى وجودي سبباً، من وجوده؟». استخدمت بعلبكي الشعر كرمز للأنثى وكقيمة اجتماعية وأظهرت تحدياً عبر استخدامها حرية التصرف بشعرها. رواية «أنا أحيا» تعبر عن رفض للواقع التقليدي الذي قنن دور المرأة ورسم طريقها وتعامل معها كجسد وجنس لا أكثر من ذلك. الأديبة كوليت خوري كتبت مجموعة من الروايات في حقبة الخمسينيات وأظهرت فيها تحديها للقيود الاجتماعية وقدمت لنا معالجة في غاية الجمال عندما ميزت بين الرقيب الاجتماعي الذي يفرض على المرأة لحمايتها من الواقع فيما يخالف الواقع الاجتماعي التقليدي. وهنا تبين خوري أن الرقيب الاجتماعي تظهر قوته أمام الجماعة وتنعدم عندما تنفرد المرأة بنفسها وتتخفى وتمارس ما تريد تحت ستار التخفي. وتطرح خوري دور الرقيب الذاتي للإنسان الذي يرافقنا سواء مع الجماعة أو دونها. فالرقيب الذاتي ينبع من داخلنا ويمنحنا قوة الرشد دون حاجة إلى رقابة مصطنعة. كُتب الأدب العربي التي ندرسها في مدارسنا لا تسلط الضوء على المساهمات النسوية، مما عزز الموقف السلبي من المرأة ويجعل الأجيال الشابة تستمر بوعيها المزيف وبالطبع حتى المرأة نفسها لا تعي وضعها التاريخي. ومسيرة رواد الأدب النسائي الذي أسهم في إحداث نقلة نوعية من المساهمات الفكرية، هي مما يحاول تاريخنا تجاهلها .فالروائيات نجحن في نقدهن للتراث بهدف الكشف عن طبيعة المرض الاجتماعي الذي رسم حياتنا العربية. وذلك ما يصفه لنا أحد الباحثين العرب بقوله: «المرأة العربية مسلوبة الإرادة وسط الجماعة، وحين تدعى إلى سلوك طبيعي (...)، تجد نفسها شيئاً مصفوفاً داخل البيت، كوعاء ينتظر الامتلاء، وتوصف بالضعف القاتل، لكن من يقتل الآخر في هذه الدراما التاريخية العظيمة؟! يقول الرجل في الثقافة العربية: المرأة إذا أحبتك آذتك، وإذا بغضتك خانتك... إذن ما العمل أمام هذا الطريق المسدود؟». الثقافة العربية مليئة بتناقضات القيم الاجتماعية التي ترفع أحياناً من المرأة الأم وتهبط بها في أدوارها المجتمعية الأخرى.