ما الموقف الذي ستتخذه أي حكومة في العالم عندما يتعرض أمنها المجتمعي للتهديد من قبل ميليشيات محلية؟ وماذا يتوقع أن تفعله أي حكومة مع جماعة أعلنت قيادتها السياسية أن عنفها ضد المجتمع لن يتوقف إلا بعودة قيادتها لحكم البلاد؟ أعتقد أن مثل هذه الأسئلة يجدر طرحها على الحكومات التي رفضت تصنيف الحكومة المصرية جماعة «الإخوان المسلمين» كمنظمة إرهابية، وحظر نشاطها السياسي، لاسيما الحكومة البريطانية، وذلك لسببين: الأول؛ أن المملكة المتحدة هي مركز حيوي لنشاط التيارات الإسلامية في الغرب عموماً، وخاصة «الإخوان المسلمين». وهي كذلك مركز لاستقبال المعارضين السياسيين لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي. السبب الثاني لتركيزي على بريطانيا دون غيرها من الدول، مثل الولايات المتحدة الأميركية التي رفضت هي الأخرى التصنيف المصري، أن بريطانيا عانت من التيارات الإسلامية ومن المعارضين السياسيين عموماً، ولديها تجربة واقعية وبالتالي يُتوقع أن تؤازر الموقف المصري والخليجي دون تردد. فقد عانت من عمليات «الجيش الجمهوري الأيرلندي» ومن دعم بعض الدول له في زعزعة استقرار المملكة المتحدة. أما مع تيارات الإسلام السياسي فقد تعرضت بريطانيا لتفجيرات عام 2005، كما قام أحد المتطرفين الإسلاميين في مايو 2013 بقتل جندي بريطاني في الشارع بحجة أنه ينتقم للمسلمين في أفغانستان والعراق. يبدو أن التأثير في موقف الحكومة البريطانية في الوقت الحالي صعب لأكثر من سبب؛ فلدى بريطانيا تقاليدها السياسية في استضافة الهاربين من العدالة في بلدانهم وليس دول الخليج فقط، وبالتالي لا تريد أن تخسر هذه السمعة. كما أن القانون البريطاني يحمي هؤلاء من تسليمهم لحكوماتهم، وتجربة المواطن الأردني الإسلامي «أبو قتادة» تؤكد ذلك. إضافة إلى ما سبق، فإن بريطانيا تستفيد من هؤلاء الخارجين على القانون في أهداف سياسية لها، مثل المعارض السعودي محمد المسعري حينما استخدمته فزاعة في صفقة «اليمامة» العسكرية، وهو يقوم بحملة ضد السعودية بين الحين والآخر. وكذلك فإن المعركة الحالية مع «الإخوان» ليست في بريطانيا، وبالتالي تجد نفسها غير ملزمة بهذا التصنيف. أكاد أجزم بأن الموقف المصري، ومعه موقف الإمارات والسعودية، غير قابل للتراجع، خاصة أن تلك المواقف مبنية على رغبة من الرأي العام المحلي نتيجة للكثير من المؤشرات القوية بأن الذي يحدث على الأرض المصرية من خراب إنما يتم بفعل «الإخوان»، مثل الكشف عن حاويات قادمة من تركيا محملة بالأسلحة. كما أن حالات الفوضى في الجامعات المصرية هي بفعل الميليشيات الإخوانية. وإذا افترضنا -حسب الرواية البريطانية- عدم وجود أدلة تتهم «الإخوان» بذلك، فإن عدم استنكار القيادات الإخوانية لعمليات العنف ودعوة مؤيديهم للتهدئة يدينهم أكثر مما يبرئهم. قلق مصر ودول الخليج من الموقف البريطاني يتلخص في كون بريطانيا ليست دولة عادية في منطقة الشرق الأوسط، فهي أقدر من غيرها من القوى الدولية على تقييم حجم المخاطر التي تمثلها هذه التيارات على الاستقرار الداخلي للدول، بل إن دارسي العلاقات الدولية يدركون أن البريطانيين أقدر من غيرهم على تقديم الخبرة المناسبة في معرفة طبيعة المجتمعات العربية وكيفية إدارة الأمور فيها. وهذا خلافاً للسياسة الأميركية وغيرها، وبالتالي فبإمكان الموقف السياسي البريطاني أن يعمل على إيجاد قاعدة سياسية تساعد على احتواء العنف والقلق اللذين تسببهما التيارات الإسلامية في مصر والخليج. كما يمكن القول إن بريطانيا باتت اليوم واحدة من أهم ثلاث دول في استضافة القيادات الإخوانية الهاربة من بلادها، بعد تركيا وقطر، مع أنها تدرك أنهم مطلوبون للعدالة فيها. وفي الواقع لا يعني موقف الحكومة البريطانية من تصنيف «الإخوان» كجماعة إرهابية أنها غير قلقة من الإسلام السياسي، لكن لأن الانتخابات البرلمانية القادمة تلعب دوراً في معالجة القضايا التي تسبب تحدياً داخلياً، لاسيما أن التيارات الإسلامية في بريطانيا يمكن أن تسبب قلقاً في نتائج حزب المحافظين الذي يقوده كاميرون الذي تُعتبر سياساته الاقتصادية مخيبة لآمال البريطانيين. لذا فإن هناك تشريعاً يعد ضد تيارات الإسلام السياسي سيمنح الحكومة البريطانية دوراً كبيراً في السيطرة على أنشطتها، وخاصة بعد انتشار بعض الظواهر المجتمعية لأفراد مسلمين بريطانيين تدل على زيادة نشاطهم في المجتمع، أبسطها ظهور الشرطة المجتمعية المعروفة باسم «الأمر بالمعروف والنهي على المنكر» ومحاولة فرض قوانينها على البريطانيين. هناك حالة من الاحتقان المجتمعي لدى الشعب البريطاني من اللاجئين السياسيين عموماً؛ لأنهم يحمّلون ميزانية الدولة أعباء مالية كبيرة؛ فالحكومة تدفع لكل لاجئ ما يقارب 900 جنيه استرليني شهرياً، بل إن ما يسببونه من مشكلات داخلية من خلال نقل خلافاتهم إلى المجتمع البريطاني، مثل الخلاف السني الشيعي الذي يثور أحياناً في لندن، لم يعد مقبولا، لذا فإن أوان الحد من النشاط السياسي لـ«الإخوان» في بريطانيا قادم، وبالتالي فإن الأمر لا يحتاج إلى حالة الانتشاء التي عاشها «الإخوان» بعدما رفضت بريطانيا تصنيفهم كإرهابيين. مستوى العلاقات البريطانية مع مصر ودول الخليج كبير لأسباب تاريخية ولوجود مصالح مشتركة، وبالتالي فإن الحديث عن تفككها أو تعرضها للقطيعة أمر مستبعد، لكن مثل هذه الحالات من الاختلاف السياسي هي «ترمومتر» لقياس طبيعة العلاقة في فترة معينة، حيث تلعب المصالح الاقتصادية بينهما دوراً مؤثراً في المواقف السياسية التي تدعم الخليج. ومن الناحية الاستراتيجية، مطلوب من الحكومة البريطانية عربياً إيجاد حل لمسألة استضافة مثل هؤلاء الخارجين على القانون في بلدانهم؛ لأنهم يتسببون في تدهور انسيابية العلاقات بين الجانبين. وإذا كانت بريطانيا راغبة في استضافتهم لأسباب متعلقة بحريات التعبير، مع أن المسألة ليست كذلك، فإن عليها منعهم من العمل على زعزعة استقرار حلفائها، على اعتبار أن دورهم السلبي سينتقل مستقبلا إلى المجتمع البريطاني، وفي هذه الحالة عليها أن تتفهم مواقف الآخرين إذا كان لهم رأي مختلف عن موقف الحكومة البريطانية.