... وتبقى فلسطين
أحسب أن التاريخ أدخل شارون من أبوابه الخلفية وهو موصوم بالجريمة منذ بداية شبابه حتى موته الذي شاء الله جل علاه أن يكون آية، وأن يكون ميتة بطيئة لأكثر من ثماني سنوات.
شارون تلطخت يداه بالدماء الزكية الطاهرة منذ أن شارك في عصابة الهاجاناه مروراً بصبرا وشاتيلا إلى غيرها من المذابح المعروفة، ناهيك عن الجرائم التي سكت عنها الإعلام.
انتهى فعلياً شارون منذ عدة أيام، ولن ينسى التاريخ كل جرائمه ضد فلسطين الوطن المحتل المغتصب.
وتبقى فلسطين، فمثلما ذهب شارون إلى مثواه الجهنمي الأخير ملتحقاً بغيره من الطغاة الذين حاولوا وأد هذا البلد منذ بدء التاريخ، سيذهب غيره كثيرون ممن حاولوا تغيير اسم هذه الدولة، والمساس بهويتها وتحويلها إلى مسخ صهيوني وفشلوا فشلاً ذريعاً، وسيفشل كل من يحاول بعدهم.
لا تنتهي فلسطين، إنها القصة العربية ضاربة الجذور في وجدان كل عربي مسلم وغير مسلم.
ينتهي الطغاة والمجرمون وسارقو الأوطان، لكن يبقى الوطن الجميل صاحب القرار بالبقاء والصمود حتى نهاية التاريخ.
فلسطين لا تموت، ولا تستسلم، ولن تكون ذات يوم لقمة سائغة للحروب أو أعمال العنف أو أي وسيلة ابتكرتها إسرائيل لتستولي على كامل ترابها.
ورغم صكوك التنازلات التي قدمت ممن حسبوا أنهم أصحاب قرار بها بقيت فلسطين معافاة الجسد، طيبة المكان، أصيلة الروح، لم ينل منها أحد، ولم يساوم أحد عليها إلا ولقي نهاية مؤسفة، تدل على أن الحاشية لها عمر افتراضي، وأن فلسطين باقية رغم كل المحاولات الرامية لوئدها.
ولفلسطين القدرة على أن تمنح أهلها الأمل والعزيمة والقوة لمواجهة غاصب صهيوني وضع يديه على ما لا يملك لتجعل من حياته جحيماً، لا يمكن أبداً أن ينام قرير العين.
سيلحق بشارون غيره من أمثاله، وسيبقى الوطن، فالوطن لا ينتهي ولا يموت، وفلسطين الصامدة القوية هي أيقونة البقاء. وهي صاحبة الأرض الولادة التي تنجب أبطالاً يخرسون التاريخ من شدة بطولاتهم، فلا من سبيل لذكر مآثرهم، ولا من قدرة على تجاهل شدة حضورهم.
ستُفْني فلسطين كل الذين حاولوا قتلها، فهي الأرض الصعبة التي توصم كل من حاول بيعها بثمن بخس بالعار، وتكتب تاريخاً مطولاً من أساطير لا تصدق، فقد تحول أهلها إلى أبطال، وإلى صمود يكاد ينقطع نظيره على طول تاريخ البشرية.
فلسطين حالة استثنائية رغم حجم الجرائم التي انتهكت على أرضها، وحجم المجرمين وقطاع الطريق الذين سعوا لصناعة مؤامرة عالمية ضدها.
أزلفت فلسطين للصديقين، وتحولت أرضها ناراً موصدة، ضد كل ما حاول سرقتها، ومات من مات، وذهب الوهم وبقيت فلسطين.
هل سيتعلم الكثيرون من شارون الذي كان يموت كل يوم بعدد من ذبحهم وشردهم وسرقهم حقهم البسيط في الحياة، وسلب حقهم في أرض وطنهم المبارك؟
هو آية لكن لكل صاحب عقل وفطنة، وهو قصة حية عما يفعله المجرمون بذواتهم، توضح لنا كيف أن لعنة فلسطين لا تنتهي، ولا ننسى أبداً من غدر بشبابها وبراءة صغارها.
الحرية لفلسطين الأبية الصامدة العربية، حتى كل رمالها من المحيط إلى الخليج من الماء إلى الماء، ومن الحلم إلى الواقع، فالبقاء دائماً للأصلح، والأصدق ولصاحب الحق!