جنوب السودان... الفرصة الضائعة
هل ستساهم أميركا في إنقاذ الدولة التي ساعدت على ولادتها؟ أم هل سيقال إن دولة وُلدت وانهارت في عهد إدارة أوباما؟ نظراً لأعمال العنف التي أرغمت الآلاف في جنوب السودان على النزوح وأطلقت إشاعات حول وجود مقابر جماعية، يشعر كثير من الناس الذين أمضوا سنوات في الاشتغال على هذا الموضوع، وأنا واحد منهم، بالأسى لرؤية بلد يترنح على شفير حرب كارثية- ليس فقط بسبب المعاناة الإنسانية التي بات يمثلها، ولكن أيضاً بسبب وعد جنوب السودان الذي لم ينجز.
لقد زرتُ السودان أول مرة في 1989، أي قبل أن يصبح اسم دارفور معروفاً بسنوات، وتمنيتُ أن يأتي اليوم الذي يتمتع فيه شعب هذه البلاد، التي عانت طويلاً، بالسلام وبحكومة تمثيلية. ولئن كنتُ من الذين لم يدعموا ترشح أوباما، فقد استبشرت خيراً بخطابه حول السودان خلال حملة 2008؛ ثم سعدتُ أكثر بانضمام بعض الأشخاص إلى فريقه للسياسة الخارجية- أشخاص معروفون بالدفاع عن حقوق الإنسان والرغبة في رؤية الولايات المتحدة تتزعم جهود الوقاية من الجرائم ضد الإنسانية وفظاعات أخرى في العالم.
ولكنني بت أخشى على تلك الثقة من أن تكون في محلها. ذلك أن منصب المبعوث الخاص إلى السودان ظل شاغراً لأشهر خلال فترات حرجة، مثل الأيام الأخيرة من تطبيق اتفاقية السلام الشاملة التي وضعت حداً للحرب التي دامت عقوداً بين شمال السودان وجنوبه. ثم ظل المنصب شاغراً مرة أخرى معظم 2013، حتى في الوقت الذي كان فيه جنوب السودان المستقل حديثاً يحاول الوقوف على قدميه. وعندما تم تعيين مبعوثين أخيراً، بدا أنهما لا يحظيان بإمكانية الوصول إلى البيت الأبيض أو إلى النفوذ الحقيقي داخل بيروقراطية وزارة الخارجية إلا نادراً.
وفي هذه الأثناء، شجعت الإدارة الأميركية سياسة تنم عن الارتباك، وفي بعض الأحيان الخطأ وسوء التقدير، تجاه السودان. ذلك أنها فشلت في فرض عزلة على الرئيس السوداني. ولم تفعل سوى القليل في سبيل دعم رئيس جنوب السودان سلفاكير في وقت أدت فيه حلقات الصراع إلى نزوح للاجئين إلى جنوب السودان، علماً بأن الكارثة الإنسانية التي ترتبت عن ذلك كانت كبيرة بكل المقاييس، وخاصة بالنسبة لدولة فتية.
ولكن هل سلفاكير هو جورج واشنطن جنوب السودان، رجل عسكري تحول إلى رجل دولة؟ كلا، ذلك أن فترة حكمه شابها تفشي الفساد وعدم قبول الرأي المعارض. غير أنه كان من المتوقع أنه لن يكون من السهل أبداً على من كانوا زعماء حركة تمرد على مدى عقود ارتداء عباءة الحكم.
وخصم سلفاكير ونائب الرئيس السابق، ريك مشار، رجل يحدوه طموح جامح يعود إلى زمن الحرب بين الشمال والجنوب، عندما كان كقائد للمتمردين من بين أولئك الذين نفذوا انقلاباً غير ناجح ضد جون قرنق الذي يُعتبر بمثابة أب جنوب السودان، ثم انضم لاحقاً إلى تحالف مع الخرطوم.
ومما يطبع الحياة السياسية الداخلية في تلك البلاد الانقسامات العرقية العميقة التي عمل الخصوم السابقون على تأجيجيها على مدى سنوات عملاً بمقولة «فرق تسد». والواقع أنه من الصعب التخمين بشأن الكيفية التي كان يمكن للأمور أن تتطور بها لو أن سلفاكير وحكومته استطاعا التركيز على التحديات الداخلية الجسيمة، متحررين من عبء التهديدات من نظام معاد في الشمال.
غير أنه لا فائدة ترجى الآن من العودة إلى عيوب السياسات الماضية، اللهم إلا إذا كان الغرض هو استخلاص الدروس والعبر من أجل المستقبل. وهنا أعتقد صادقاً أن الدرس هو أن الولايات المتحدة، باعتبارها أحد ضامني اتفاق السلام بين الشمال والجنوب، وأحد من ساهموا في «ولادة هذه الدولة الجديدة»، على حد تعبير جون كيري، كانت وما زالت في وضع يمكنها من تأمين نجاح جنوب السودان وازدهاره. فهل ستتحمل هذه المسؤولية قبل فوات الأوان؟
لقد دعوتُ إدارة أوباما مؤخراً إلى الإقرار بصواب وسداد فكرة توجيه الدعوة للرئيس السابق بوش وأعضاء فريقه المعنيين، مثل المبعوث الخاص السابق إلى السودان جون دانفورث، للانخراط في جهود دبلوماسية عالية المستوى مع اللاعبين المختلفين في هذا الموضوع. صحيح أن ذلك قد يكون أسلوباً غير تقليدي، ولكنه ربما يكون أيضاً هو السبيل إلى إنقاذ جنوب السودان. ذلك أن إدارة بوش جعلت من تلك الدولة الجديدة إحدى أولويات سياستها الخارجية؛ وقد نسج دانفورث علاقات وثيقة مع الزعماء السودانيين عندما كان يساعد على التفاوض حول اتفاق السلام 2005 بين الشمال والجنوب. وهؤلاء الموظفون قادرون على التقدم بطلبات من النوع الذي يجيد الأصدقاء عادة التقدم به.
ولعل من بين الرسائل الأولى التي يمكن أن ينقلها بوش إلى سلفاكير ضرورة أن يفرج عن كل المعتقلين السياسيين. وإذا قام بمثل هذه الخطوة، فلاشك أنه سيُنظر إليها باعتبارها بادرة تصالحية من رجل مستعد للحكم، حتى وإن كان ذلك يعني اتخاذ قرارات صعبة سياسياً. كما أن ثمة حاجة إلى تأمين وقف فوري لإطلاق النار، مخافة أن ترتمي أحدث دولة في العالم رأساً في أتون الحرب الأهلية، وتنضم بذلك إلى قائمة الدول الفاشلة- وتتحول في غضون فترة وجيزة من نجاح للسياسة الخارجية الأميركية إلى فرصة ضائعة.
ومن الواضح أن ثمة دوراً أساسياً للمجتمع الدولي في الأيام المقبلة؛ ولكن ثمة أيضاً دوراً فريداً واستثنائياً للزعامة الأميركية. ولذلك، يجدر بأوباما أن يتعامل مع هذه الأزمة بالسرعة والحذق والوضوح الأخلاقي الذي تتطلبه.
----------
فرانك وولف عضو مجلس النواب الأميركي
---------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»