الاتفاق النووي ومعارضة المتشددين
توصلت إيران والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين والولايات المتحدة مؤخراً إلى اتفاق بشأن صيغة للحد من طموحات إيران النووية العسكرية. ويدخل هذا الاتفاق حيز التنفيذ في العشرين من يناير الجاري حيث من المنتظر أن تشرع إيران اعتباراً من ذلك التاريخ في خفض نصف مخزونها من اليورانيوم المخصب بنسبة 20 في المئة إلى 5 في المئة، وفي مقابل هذه الخطوات الإيرانية، سيتم تخفيف بعض العقوبات المفروضة عليها بشكل محدود. وبعد ذلك من المرتقب أن يشرع الجانبان في مفاوضات شاقة من أجل التوصل إلى اتفاق نهائي بشأن المشكلة النووية وتخفيف العقوبات عن إيران. غير أن كلا من إدارة أوباما وحكومة روحاني تواجه تحديات كبيرة من المتشددين المتشككين في جدوى هذا الاتفاق؛ ذلك أن بعض معارضي الاتفاق لا يخفون رغبتهم في إلغائه بشكل صريح وواضح. وتأتي المعارضة الأكثر قوة في الولايات المتحدة من الكونجرس الأميركي، وهي مدعومة في ذلك من قبل مجموعة الضغط القوية في واشنطن، «لجنة الشؤون العامة الأميركية الإسرائيلية»، المعروفة اختصاراً بـ«آيباك»، والتي تسعى جاهدة إلى إلغاء الاتفاق. وفي هذا الإطار، قام 59 عضواً في مجلس الشيوخ الأميركي حتى الآن، من بينهم 16 ديمقراطياً، بتوقيع مشروع قانون جديد من شأنه أن يزيد من العقوبات المفروضة على إيران في حال انهيار الاتفاق. والحال أنه إذا أصبح هذا المشروع قانوناً بينما المفاوضات مع إيران مستمرة، فإن ذلك قد يدفع إيران إلى الانسحاب من المفاوضات. هذا علماً بأنه من المحتمل أن يحصل مؤيدو العقوبات الجديدة على دعم 10 أعضاء آخرين في مجلس الشيوخ، وذلك لضمان أن يكون مشروع القانون قادراً على التغلب على أي محاولة عرقلة في الكونجرس أو فيتو من قبل أوباما.
بيد أن السؤال الذي يطرح الآن هو بشأن ما إذا كان زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ، هاري ريد، سيسمح بعرض مشروع القانون على المجلس. هذا علماً بأن ريد يدعم موقف أوباما حالياً، ويعتقد أن إقدام مجلس الشيوخ على مثل هذه الخطوة سيكون ضد المصالح الأميركية. لكن الصعوبة بالنسبة لريد تكمن في حقيقة أن الكثير من أعضاء حزبه مستعدون لدعم التشريع الجديد حيث يجادلون بأن السبب الذي دفع إيران إلى الجلوس على طاولة المفاوضات هو أن العقوبات أتت أكلها، وبالتالي، يقول هؤلاء الأعضاء، فإن من شأن عقوبات أشد أن تجعل الإيرانيين مستعدين لتقديم تنازلات أكبر.
لكن المشكلة هي أن محللين ودبلوماسيين قلائل جداً في الولايات المتحدة، ومن بينهم وكالات الاستخبارات الأميركية، يعتقدون في صحة هذا الرأي، ويجادل بعضهم صراحة بأن الهدف الأول لمشروع القانون المدعوم من قبل «آيباك» هو إجهاض الاتفاق وإرغام إدارة أوباما على التفكير في إمكانية استعمال القوة ضد إيران، وأنه بذلك إنما يعكس موقف إسرائيل التي تعارض الاتفاق النووي الإيراني بشكل صريح ولابد أنها قلقة من حقيقة أن أي تقارب أميركي إيراني سيجعل الانتباه يتركز مرة أخرى على قضايا المفاوضات حول السلام مع السلطة الفلسطينية.
وبالتوازي مع معارضة الاتفاق في الكونجرس الأميركي، يجري حالياً تقديم مشروع قانون في البرلمان الإيراني من قبل متشددين يعارضون سياسة روحاني، ويرخص مشروع القانون هذا لوكالة الطاقة الذرية الإيرانية زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم إلى 60 في المئة من أجل إنتاج الوقود لغواصات تشتغل بالطاقة النووية. وغني عن القول إن من شأن مثل هذا العمل أن ينسف الاتفاق ويجعل من المواجهة بين الجانبين أمراً لا مفر منه تقريباً.
ومن وجهة نظر المصالح الأميركية، ربما الأفضل هو أن يقوم المتشددون الإيرانيون بنسف الاتفاق بدلاً من أن يقوم الكونجرس الأميركي بذلك، لأنه بتلك الطريقة يمكن الحفاظ على ما يشبه الوحدة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، رغم أن الإجماع الصعب الذي كان ضرورياً من أجل دعم الاتفاق، يمكن أن ينحل. لكن في كلتا الحالتين، يمكن القول إن فرص نجاح اتفاق ذي مغزى تظل ضئيلة في حال استمر المتشددون على كلا الجانبين في تكتيكاتهم. والأكيد أن الأشهر القليلة المقبلة ستوضح ما إن كان هذا الملف سيعرف تسوية سلمية أو مواجهة محتدمة، وربما عنيفة.
وفي هذا الأثناء، يجدر بأوباما ألا يعول على أي مساعدة من الجمهوريين الذين مازالوا مصممين على إضعاف أجندته الداخلية، خاصة إصلاح نظام الرعاية الصحية. ذلك أنه ليست لديهم أي نية في مساعدته على تحقيق نصر دبلوماسي بخصوص إيران وسيسعون إلى الحؤول دون ذلك ما أمكنهم، ولأن من شأن مثل هذا النصر أن يمثل نقطة ثمينة في رصيد المرشح الديمقراطي المقبل في الانتخابات الرئاسية، في حين أن من شأن عدم حل المشكلة النووية الإيرانية أن ترغم ذلك المرشح على تبني موقف متشدد سيزيد بشكل دراماتيكي من إمكانيات حدوث مواجهة عسكرية.