العالم وجهود التنمية
تسعى جميع دول العالم إلى تحقيق قدر من التنمية التي تُبعد بها عن شعوبها شبح الفقر والعوز والجهل والتخلف والمرض، لكن مفهوم التنمية الناجحة ذاته واسع وفضفاض. وقليلة هي الدول التي تنتمي إلى العالم النامي التي استطاعت تحقيق قدر معقول من التنمية الناجحة، لذلك فإن دول العالم مجتمعة تحاول أن تحقق شيئاً مشتركاً فيما بينها على هذا الصعيد.
في يونيو 2012، عقد في «ريو دي جانيرو» مؤتمر تحت مظلة الأمم المتحدة حول التنمية، وذلك بعد عشرين عاماً من عقد المؤتمر الأول حول نفس الموضوع وفي المدينة نفسها. في المرة الثانية تمخضت المفاوضات الحكومية المطولة التي دارت بين الوفود عن إصدار بيان محبط تسبب في خيبة أمل للخمسين ألف مشارك الذين تجمعوا لحضور الكرنفال السياسي الذي انعقد. دع عنك جانباً شعوب الأرض جميعها التي كانت تأمل الكثير من وراء المؤتمر.
الحقيقة أنه من غير الواقعي أو المنطقي، أن تأمل البشرية في أن يتم حل منظومة القضايا الإشكالية الضخمة من قبيل مشاكل الفقر والبيئة وتشابكات المصالح الخاصة بالدول المتقدمة والنامية، من خلال عقد مؤتمر واحد أو التوقيع على معاهدة واحدة. لذلك فإن الحكومات وأصحاب الأعمال الكبرى والمنظمات غير الحكومية تقوم بنشاطاتها الخاصة وبعقد الصفقات الجانبية، موضحة أن تقدماً كبيراً يمكن أن يتم تحقيقه عندما تفشل القنوات الرسمية في ذلك.
على صعيد آخر، تقوم الأمم المتحدة بمتابعة مشروع القرن الذي أفصحت عنه منذ عدة سنوات مضت، ففي يوليو ،2012 أصدرت تقريرها حول التقدم الذي تم، وما يلاحظ فيه أنه تم الإعلان بأن المجتمع الدولي قام فعلاً بتخطي الهدف الذي رسمه لنفسه بخفض نسبة الفقر العالمي المدقع إلى النصف، أو لأولئك الذين يعيشون على دولار وربع الدولار أميركي في اليوم، وذلك في الفترة ما بين 1990 و2012. لكن الحقيقة أن تخفيض نسبة الفقر في العالم أكثر صعوبة مما يمكن أن يفصح عنه مثل هذا التقرير، فالقلة فقط هم الذين يبتعدون كثيراً عن الفقر المدقع، والعديد من الذين يقعون في الهامش مهددون بالتراجع إلى ما هو أبعد من خط الفقر المتعارف عليه.
بيئياً تقول الأمم المتحدة إنها نجحت في تحقيق أهداف القرن بالنسبة لتوفير مداخيل واسعة إلى مياه الشرب النقية، والتقليل من نسب تلوث الهواء، وتحسين أوضاع السكن العشوائي، والتوصل إلى توفير مقاعد الدراسة الابتدائية بشكل متساوٍ بين الذكور والإناث. ولو أن هذا الهدف الأخير تمت توسعته إلى ما وراء التعليم الابتدائي، لكي يشمل المراحل الأعلى، فلربما يحقق للبشرية فرقاً واسعاً على صعيد تنمية الدول التي كبلت نفسها عن طريق التمييز بين الإناث والذكور في التعليم لجميع المراحل، الأمر الذي جعل من المرأة غير مؤهلة لخدمة المجتمع وغير منتجة بكامل طاقتها.
ما تعاني منه دول العالم النامي من مشاكل تنموية لا يرتبط بقضية واحدة أو بجانب واحد من أمور شعوبها، لكنها ترتبط بكل متكامل، فالمؤسسات السياسية القائمة فيها تعتبر سبباً رئيسياً لكل ما يحدث من تقهقر على صعيد التنمية الشاملة المستدامة، وأول ما يجب القيام به من قبل معظم هذه الدول هو التحول نحو مؤسسات حديثة قوامها المساواة بين المواطنين، فهذا شرط مسبق لتحقيق أي نوع من التنمية، فما يوجد الآن هو مؤسسات سياسية استغلالية ونظم أشبه ما تكون بشلل مبتزة، بمعنى أن تركيزها ينصب على تجيير موارد دولها لصالح فئات قليلة من المجتمع تاركين البقية يهيمون على وجوههم. ولهذا السبب، فحتى الدول المتقدمة عليها أن تكون مدركة بأن خطف المؤسسات السياسية من قبل قلة قليلة همها المصالح الشخصية يشكل خطراً جسيماً على سلامة الدولة والمجتمع.