«حيادية الإنترنت» في خطر
أسقطت محكمة اتحادية أميركية يوم الثلاثاء الماضي "حيادية الإنترنت" وهو مفهوم لطالما احتفى به المدافعون عن حرية التعبير وحماية المستهلك بسبب الطريقة التي أعادت بها الجهة المنظمة تعريف خدمة الإنترنت من الحزم العريضة قبل أكثر من عقد من الزمن. أبطلت دائرة محكمة الاستئناف لمقاطعة كولومبيا نظام الإنترنت المفتوح مستندة في ذلك على تعريف لجنة الاتصالات الاتحادية للحزم العريضة عام 2002 باعتبارها خدمة "معلومات" وليس خدمة "اتصالات". وكان نظام الإنترنت المفتوح يمنع مقدمي خدمات الإنترنت مثل "فيرايزون" أو "كومكاست" من عرقلة المحتوى المشروع على مواقع الإنترنت أو إعطاء أولوية السرعة الكبيرة لمواقع من اختيارها.
ويعتقد منتقدون أن القرار سيخنق نوعية المحتوى المتاح على الإنترنت وقدرة الحصول عليه أيضاً، لكن مقدمي الخدمة يقولون إنه لن يتغير إلا القليل. وأشار "راندال ميليتش" نائب الرئيس التنفيذي للسياسة العامة لـ"فيرايزون"، وهي جانب الادعاء في القضية في بيان إلى أن "قرار اليوم لن يغير قدرة المستهلك على الدخول إلى الإنترنت واستخدامه كما يفعل الآن... فيرايزون التزمت وستظل ملتزمة بإنترنت مفتوح يوفر للمستهلكين خيارات تنافسية وإمكانية دخول بلا قيود إلى مواقع الإنترنت المشروعة والمحتوى في الموعد والمكان والطريقة التي يريدونها. هذا لن يتغير في ضوء قرار المحكمة".
وكنتيجة لقرار المحكمة، يتمتع عمالقة الاتصالات الآن بحرية تقاضي أسعار أعلى من مقدمي محتوى معينين مثل "نتفليكس، التي يمكن أن تبتلع ثلث حجم حركة البيانات في الحزم العريضة أثناء ساعات الذروة. ويمكنها أيضاً أن تختار وضع محتوى وخدمات أخرى في قنوات أبطأ ما لم تدفع أكثر، ويقول منتقدون إن هذا يخلق أغنياء وفقراء الإنترنت".
لكن "كريج آرون" رئيس وكبير المديرين التنفيذيين لجماعة "فري برس" غير الحزبية الناشطة في واشنطن يؤكد "الآن، كما وعدت فيرايزون في المحكمة، أكبر مزودي خدمة الحزم العريضة سيتسابقون لتحويل شبكة الإنترنت المفتوحة والمفعمة بالحيوية إلى شيء يشبه التلفزيون المشفر... إنها ستقيم ممرات سريعة لعدد قليل من الشركات العملاقة التي تستطيع أن تدفع مبالغ باهظة وستخصص الممرات البطيئة للآخرين".
والحكم سيعيد رسم خريطة الإنترنت بشكل عميق وسيكون له تأثير ثقافي عميق ومستمر حتى فيما يتجاوز الإنترنت بحسب ما يقول الكثير من خبراء الإعلام. وأحد هؤلاء الخبراء "آرام سينريتش"، وهو أستاذ في مدرسة الاتصالات والمعلومات بجامعة روتجرز في نيو برونزويك بولاية نيوجيرزي، يقول إن "اعتمادنا على الإنترنت يتزايد مع مرور كل عام باعتباره أساساً للأفكار الثقافية والسياسية... والأصوات الجديدة في مجتمعنا... وانتقدنا دول أخرى حول العالم مثل الصين، لأنها لا تسمح للإنترنت بأن يقدم هذه الحرية إلى مواطنيها".
ويؤكد "سينريتش"، الذي ألف كتاباً بعنوان "حملة القرصنة: كيف تدمر الحرب التي تشنها صناعة الموسيقى على عمليات المشاركة على الإنترنت الأسواق وتقلص الحريات المدنية" على أن قرار المحكمة "يجعل فائزي اليوم هم فائزي الغد. والطامحون للفوز اليوم لن يبلغوا مآربهم أبدا. لقد حول الإنترنت برمته إلى تلفزيون مشفر في واقع الحال".
لكن القرار يكشف أيضاً عن تأرجح وكالة اتحادية بشأن نواياها. فعندما صنفت الحزم العريضة بأنها خدمة معلومات كانت تحاول بالفعل أن تحرر الصناعة من اللوائح، وتسمح لها بالابتكار. ورغم دعم إدارة أوباما القوي لحيادية الإنترنت، فحتى "توم ويلر" الرئيس الحالي للجنة الاتصالات الاتحادية والناشط والرئيس السابق لاتحاد الكابل القومي لا يعتقد أن الحزم العريضة يجب أن تُنظم بنفس طريقة شركات تقديم خدمات الهواتف. وحاول منتقدون حثّ "جوليوس جيناتشوفسكي" أول رئيس للجنة الاتصالات الاتحادية في رئاسة أوباما أن يصنف الحزم العريضة باعتبارها خدمة اتصالات لكن المعارضة الجمهورية المكثفة وأدت الفكرة.
وفي ضوء أرجحة لجنة الاتصالات الاتحادية بشأن تصنيف وتنظيم الحزم العريضة يقول الكثير من المراقبين إن القضية ليست مسألة سياسية، بل مسألة متعلقة بتأثير الصناعة. ويؤكد "سينريتش" أن "لا علاقة للسياسة بالأمر، فالموضوع ليس حقاً معركة لليسار في مواجهة اليمين... إنه في الواقع أقرب إلى كونه مواجهة بين جماعات الضغط والمدافعين عن الجمهور. الحقيقة المحزنة أن هناك باباً دواراً كبيرا بين الجهات المنظمة والمشرعين وجماعات الضغط في هذا المجال التجاري. والأمر تفاقم بشكل كبير جداً في السنوات القليلة الماضية".
وحدث تغيير القواعد عندما عين جورج بوش الابن عام 2001 "مايكل باول" رئيساً للجنة الاتصالات الاتحادية، فقاد عملية الإدارة الأميركية لإسقاط اللوائح عن كاهل الصناعة. وحاليا يشغل باول منصب كبير المديرين التنفيذيين للاتحاد القومي للاتصالات والكابلات وهي جماعة ضغط مقرها واشنطن. وقال باول في بيان "القرار التاريخي للمحكمة اليوم يعني أن لجنة الاتصالات الاتحادية مُنحت تفويضاً قضائياً على الإنترنت... ورغم اننا نتوقع تماما أن يندفع البعض إلى إصدار أحكام بشأن مصير الإنترنت المفتوح، يجب علينا أن نتذكر أن تبني نظام الإنترنت المفتوح وإبطاله الجزئي لا، ولن يؤدى، إلى تغيرات كبيرة في طريقة إدارة شركات تقديم خدمات الإنترنت لشبكاتها".
لكن المنتقدين يجادلون بأن الغرض ذاته من مقاضاة شركة "فيرايزون" للجنة الاتصالات الاتحادية في المقام الأول كان تحديداً تغيير الكيفية التي تدير بها شركات تقديم خدمات الإنترنت شبكاتها. ويجادل المنتقدون أيضاً بأن الشركات لها الآن سلطة إغلاق مواقع الإنترنت، وإعطاء الأولوية لمحتوى معين، وخلق شبكات أسرع للمحتوى الذي يختارونه.
ويتحسر "سينريتش" قائلاً إن "جمال الإنترنت تمثل في أن بوسع أي شخص لديه ما يقوله وفكرة جيدة أو برنامج كمبيوتر ذكي أو فكرة طريفة أو أغنية جميلة أن ينشرها وتكون في ملعب متساو مع اللاعبين الكبار في العالم.... هذا القرار نسف هذا من أساسه الآن".
-------
هاري برونيوس
كاتب أميركي متخصص في قضايا التقنية
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"