استلهام «لوثر كينج»
ما هي النصيحة التي يمكن أن يسديها القس مارتن لوثر كينج جونيور إلى أول رئيس أسود لأميركا في مثل هذه الأوقات العصيبة؟ الواقع أننا عادة ما نتذكر كينج في لحظات صعوده وتألقه كقائد همام لحركة الحقوق المدنية وكزعيم واثق ورابط الجأش، ونتذكر خطابه البليغ والمؤثر أمام النصب التذكاري للنكولن في واشنطن وهو يكشف النقاب عن أدق تفاصيل «الحلم»، ونتذكر اجتماعاته في البيت الأبيض مع الرئيس جونسون التي أسفرت عن صفقات تشريعية عظيمة.
لكن كينج لم يكن على الدوام صاعداً ومتألقاً؛ بل كان طريقه عبارة عن رحلة محفوفة بالإخفاقات السياسية والعملية، والعلاقات الصعبة، والأزمات الروحية والعاطفية. وفي لحظة من اللحظات، كان قاب قوسين أو أدنى من الانسحاب من حركة الحقوق المدنية. والأكيد أن الأدوات التي طورها للاستمرار والمثابرة والنجاح قد تكون مفيدة للرئيس في الأشهر الصعبة المقبلة.
ففي وقت متأخر من مساء السابع والعشرين من يناير 1956، تلقى كينج مكالمة هاتفية أصابته بالذعر وقلبت حياته رأساً على عقب، حيث قال له المتصل: «أيها الزنجي، لقد تعبنا منك ومن فوضاك. وإذا لم تغادر هذه البلدة في غضون ثلاثة أيام، فسنفجر دماغك وندمر منزلك».
والواقع أن التحديات التي واجهها أوباما العام الماضي ويواجهها الآن لا ترقى إلى تلك التي واجهها كينج عام 1956. فبدلاً من بول كونر والكلاب الشرسة والعنصرية المؤسساتية، يواجه أوباما مشاريع تشريعية لم تكتمل، من الهجرة إلى تغير المناخ، وخروج التأمين الصحي للوجود متأرجحاً بين الأخطار والآمال، واقتصاد بدأ يخرج من «الركود الكبير»، وكونجرس عنيد مصمم على ألا يجعل حل هذه المشاكل سهلاً. غير أن المصعد الذي أخرج كينج من أدنى لحظاته قد يكون هو المصعد نفسه الذي سيساعد أوباما أيضاً.
فعلى غرار كينج، قد يجد أوباما أنه إذا تشبث بمُثله وقيمه الجوهرية من دون تنازلات -مثلما رأيناه يفعل ذلك في مفاوضات إغلاق الحكومة الفيدرالية- فإنه سيكون مسنوداً بدعم الجمهور والوضوح الداخلي الذي يجلبه نقاء المبدأ وصفائه.
وبينما يخرج الرئيس إلى الولايات هذا العام ويحيط نفسه بأولئك الذين يحاول مساعدتهم (الأميركيين الذين فقدوا تأمينهم الصحي، والطلبة المحتاجين لتعليم جامعي بسعر معقول، والعاطلين عن العمل ممن يبحثون عن حبل نجاة...) فإنه، وعلى غرار كينج، قد يجد أن تشجيعات الناس العاديين والبسطاء له يمكن أن تمثل وقوداً لسنواته الأخيرة في البيت الأبيض.
وعلى غرار كينج، فإن أوباما قد يتجدد بفضل بوصلته الداخلية ووضوح أهدافه. فمثل هذه الأشياء هي التي سمحت لكينج بالصمود في وجه التهديدات والتعنت الرسمي؛ ويمكنها أن تكون معيناً لأوباما وهو يبحث ليس آخر مناورة تشريعية أو موقف سياسي فحسب وإنما المغزى الدائم للوقت الذي أمضاه في البيت الأبيض.
والأكيد أن ثمة الكثير الذي يمكن تعلمه من انتصارات كينج، وحتى إخفاقاته؛ حيث توجد دروس مفيدة في هذه اللحظات المتدنية لرئيس الولايات المتحدة، وربما لكل واحد منا أيضاً.
حوشوا دوبوا
المدير السابق لمبادرة البيت الأبيض المبنية على العقيدة خلال ولاية أوباما الأولى
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»