المؤسسة المتخصصة في الشفافية الدولية عميت أبصارها عن رؤية مظاهرات جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية وترويعها لجماهير الشعب ومحاولتها منع الجماهير بالقوة من التصويت على الاستفتاء. العداء الغربي الذي أبدته الدوائر الرسمية الغربية ضد ثورة 30 يونيو ومبادرة القوات المسلحة المصرية لدعم الإرادة الشعبية التي عبر عنها ملايين المصريين لإسقاط حكم «الإخوان المسلمين» ليس جديداً في الواقع. بل إن هذا العداء يمكن أن يرد إلى الانقلاب العسكرى في 23 يوليو 1952 الذي قام به الضباط الأحرار بقيادة عبد الناصر، والذي تحول إلى ثورة شعبية بحكم تبني الضباط الأحرار منذ اللحظة الأولى لتوليهم السلطة مشروع الإصلاح الاجتماعي الذي وضعته القوى الوطنية المصرية في الفترة من عام 1945 تاريخ نهاية الحرب العالمية الثانية إلى عام 1953 تاريخ قيام الانقلاب على النظام السياسي الحزبي الذي كان سائداً، وإجبار الملك «فاروق» على التنازل عن العرش ونفيه خارج البلاد. لقد كان العنوان البارز لمشروع ثورة 23 يوليو والذي أخذت معالمه تتضح بالتدريج وتزداد في كل مرحلة ثوريته المتصاعدة هو تحقيق العدالة الاجتماعية لجماهير الشعب المصرى. غير أن الدوائر الغربية وفي مقدمتها سلطة الاحتلال الإنجليزى كانت معادية لما حدث، لأن الضباط الأحرار أعلنوا خطتهم مبكراً في إجلاء الإنجليز بالمفاوضات السياسية أو بشن حرب تحرير شعبية ضدهم، من منطلق أن تحقيق الاستقلال الوطني لا يقل أهمية عن توفير العدالة الاجتماعية للجماهير. وبعد مفاوضات سياسية شاقة قادها عبد الناصر تم توقيع اتفاقية الجلاء عام 1954، وانسحبت القوات الإنجليزية إلى بلادها. غير أنها عادت مرة أخرى عام 1956 في المؤامرة لغزو مصر التي شاركت فيها ثلاث دول فرنسا وإنجلترا وإسرائيل والتي – كل لأسبابها الخاصة- وقفت موقفاً معادياً لثورة يوليو، وأدركت خطورة الثورة على المخططات الاستعمارية. بالنسبة لفرنسا كانت تريد الانتقام من مصر لتأييدها الثورة الجزائرية، أما إسرائيل فأدركت مبكراً خطورة الثورة على أمنها القومي، وبقيت إنجلترا التي أرادت إعادة احتلال مصر بعد أن خرجت منه مرغمة تطبيقاً لمعاهدة 1954. وهذا العداء الغربي لثورة 23 يوليو 1952 كان في الواقع حلقة من الحلقات المستمرة للعداء ضد ثورات الشعوب المستعمرة في العالم العربي وآسيا وأفريقيا. غير أنه لابد لنا أن نعترف بأن العقل الاستعماري الغربي وإنْ كان قد صاغ نظرية عنصرية متكاملة عن الشعوب المستعمرة لإضفاء الشرعية على استعمارها هي نظرية «عبء الرجل الأبيض»،White Man?’?s burden? ? وتعنى? ?المسؤولية? ?الملقاة? ?على? ?الشعوب? ?الأوروبية? ?لترقية? ?الشعوب? ?البدائية? (?المستعمرة?) ?بشكل? ?عام، ? ?إلا? ?أن? ?هذا? ?العقل? ?الاستعماري? ?خص? ?الشخصية? ?العربية? ?عموماً? ?والشخصية? ?المصرية? ?خصوصاً? ?بنظريات? ?خاصة? ?تؤكد? ?عجز? ?هذه? ?الشخصية? ?عن? ?المبادرة? ?وتخلفها. ويشهد على ذلك النظريات التي صاغها باحثون إسرائيليون وعلى رأسهم الجنرال «هاركابي» مدير المخابرات السابق والذي أصبح أستاذاً في جامعة «تل أبيب» عن أسباب الهزيمة العربية في حرب الأيام الستة. فقد ورد في دراسة شهيرة له أن العرب عموماً والمصريين خصوصاً عاجزون عن المبادرة، ويتسمون بالفردية ويعجزون عن العمل في فريق، وأنهم بعد هزيمة يونيو 1967 أصبحوا جثة هامدة. وبالتالى تستطيع إسرائيل أن تهنأ بالأراضي العربية والمصرية التي احتلتها لأن المصريين أعجز من أن يشنوا حرباً ضد إسرائيل. وبالرغم من الإنجاز العسكري المصري الخارق في حرب 6 أكتوبر إلا أن تحيز العقل السياسي الغربي ضد الثورات المصرية مازال قائماً. ويشهد على ذلك العداء المعلن للولايات المتحدة الأميركية وللاتحاد الأوروبي ضد ثورة 30 يونيو التي نجحت فيها ملايين المصريين المحتشدين في الميادين- بدعم جسور من القوات المسلحة المصرية في 3 يوليو- في إسقاط حكم «الإخوان المسلمين» الاستبدادى وعزل مرسي. ورفضت هذه الدوائر الاستعمارية الغربية الاعتراف بأن 30 يونيو ثورة شعبية، وزعمت أنها انقلاب عسكري، وبنت مواقفها السياسية من السلطة الجديدة في ضوء هذا الأفكار. غير أن القوات المسلحة بقيادة الفريق أول «السيسي» لم تقنع فقط بإعلان «خريطة طريق» واضحة المعالم للانتقال إلى نظام ديموقراطي حقيقي، ولكنها – أبعد من ذلك- نجحت في التنفيذ الدقيق لخريطة الطريق كما وعدت، فأنجزت «لجنة الخمسين» الدستور في الموعد المحدد، وتم الاستفتاء عليه يومى 14، 15 يناير، وبلغت نسبة الموافقة عليه 98% وهى نسبة لم تتحقق في مصر من قبل. وتتخذ من الآن استكمال استحقاقات خريطة الطريق الأخرى وسيعلن قريباً عن انتخابات الرئاسة أولاً أم الانتخابات البرلمانية. ويبدو تحيز العقل الاستعماري الغربي إزاء ثورة 30 يونيو وما تلاها من تطورات ديموقراطية بالغة الأهمية في التقرير الذي أعدته «مؤسسة الشفافية الدولية» التي أرسلت وفداً من عدة مراقبين لمراقبة عملية الاستفتاء، بعد أن حصلت على موافقة من اللجنة العليا للانتخابات. وأصدرت اللجنة تقريرها المبدئى ونشرته على شبكة الإنترنت في 16? ?يناير ? ?2014. وقد طالعت التقرير بإمعان واكتشفت أنه يزخر بصور من المشهد السياسي المصري فيها تشويه للواقع، ويتضمن ثلاث عشرة ملاحظة نقدية مصحوبة بتوصياتها لتصحيح الأوضاع. ويلفت النظر بشدة أن المؤسسة المتخصصة في الشفافية الدولية عميت أبصارها عن رؤية مظاهرات جماعة «الإخوان المسلمين» الإرهابية وترويعها لجماهير الشعب واعتداءها بالمولوتوف على قوات الأمن، ومحاولتها منع الجماهير بالقوة من التصويت على الاستفتاء. فقد زعمت اللجنة في تقريرها أن أعضاء الحكومة أعلنوا تأييدهم المسبق للدستور، وأن وسائل الإعلام سواء الحكومية أو الخاصة كانت تدعو للموافقة بنعم في حين أن الذين جهروا بقول لا تم اضطهادهم واعتقالهم وسجنهم! وهذه أكاذيب صريحة فمن قبض عليه هو من مارس الشغب والعدوان على قوات الشرطة أو حاول تخريب المنشآت، وهو في أي بلد ديموقراطي غربي لابد أن يقبض عليه لارتكاب هذه الجرائم. كما زعم التقرير أن بعض مؤسسات المجتمع المدني لم يوافق على مراقبتها للاستفتاء مع أن اللجنة العليا وافقت لأكثر من ستين منظمة أجنبية أو مصرية، وبعضها تابع لجماعة الإخوان المسلمين لكي تراقب الاستفتاء. وأضاف تقرير مؤسسة الشفافية ملاحظات جزئية غير مهمة مثل قصر الوقت الذي خصص لشرح مواد الدستور، أو ازدحام مراكز الاقتراع بالمصوتين، أو الادعاء بأن الحبر الفوسفورى يتبخر بسرعة. وهكذا لم تجد مؤسسة «الشفافية الدولية» أسباباً جادة تنتقص من سلامة إجراءات الاستفتاء أو تشكك في نتائجه التي صدمت الدوائر الغربية التي استطاع الشعب المصرى أن يقضي على مؤامراتها مع جماعة «الإخوان المسلمين» لهدم الدولة المصرية.