الوقود الحيوي: الأمن الغذائي واحتياجات الطاقة
مع تفاقم أزمة الطاقة، تزايدت جهود الدول في البحث عن مصادر بديلة للوقود الأحفوري، فوجدت ضالتها في الطاقات المتجددة؛ وأحدثها الوقود الحيوي الذي أصبح بديلاً واعداً، لما له من سمات مميزة، لاسيما إمكانية خلطه بالوقود العادي، علاوة على آثاره البيئية الإيجابية.
ورغم ذلك فثمة آثار سلبية، اقتصادية وبيئية، لعمليات إنتاج الوقود الحيوي؛ منها تصاعد الصـراع على الموارد المائية، فضلاً عن إعادة تخصيص زراعة الأراضي لصالح محاصيل الطاقة على حساب محاصيل الغذاء.
وفي الكتاب الذي نعرضه هنا، وعنوانه «الوقود الحيوي بين أزمة الغذاء وأزمة الطاقة»، يسعى مؤلفه عزمي محمد الغايش إلى تحديد الآثار الناتجة عن التوسع في إنتاج الوقود الحيوي، ومن ثم الإجابة على السؤال المتعلق بانعكاسات هذا التوسع على كل من قطاعي الطاقة والزراعة (الغذاء) في الدول المتقدمة والنامية معاً.
كما يحاول اقتراح بعض الحلول الممكنة لمواجهة الآثار السلبية الناتجة عن التوسع في استخدام المحاصيل الزراعية في إنتاج الوقود الحيوي، خاصة في حالة الدول النامية، ومن ثم تحديد التدابير والإجراءات التي ينبغي أن تتخذها لمواجهة هذا التوسع، أو الحد من آثاره السلبية، ومحاولة الاستفادة من الآثار الإيجابية لإنتاج الوقود الحيوي في تنمية القطاع الزراعي، وللتغلب على أزمة الطاقة أيضاً.
وكما يوضح الكتاب، فقد برزت الطاقة المتجددة كمصدر مهم في مزيج الطاقة العالمي، حيث أدت التقلبات المستمرة في أسعار النفط، وما ينتج عنها من انعكاسات على اقتصادات الدول المتقدمة والنامية، إلى زيادة الاعتماد على الطاقات المتجددة، ومنها الوقود الحيوي السائل.
وكما يعرّفه الكتاب، فهو وقود نظيف يعتمد إنتاجه بالأساس على تحويل الكتلة الحيوية، سواء أكانت في صورة محاصيل زراعية أو في صورة زيوت نباتية وشحوم حيوانية، إلى إيثانول أو ديزل أو أي طاقة أخرى يمكن بواسطتها إنتاج الكهرباء.
وبهذا، فالوقود الحيوي هو الطاقة المستمدة من الكائنات الحية، النباتية أو الحيوانية، وهو وينقسم إلى أنواع عدة، فمن حيث شكله قد يكون سائلاً أو صلباً أو غازياً، أما من حيث تقنيته فهو ينقسم إلى نوعين: أولهما يتم إنتاجه عبر استخدام الحاصلات الزراعية كالذرة والقمح وفول الصويا والشعير وقصب السكر، أما ثانيهما فيتأتى باستخدام المخلفات الزراعية بأنواعها.
وقد أدت تقنية الجيل الأول المعتمدة على المحاصيل الزراعية إلى ظهور جدل واسع حول الآثار السلبية الناشئة عن توجيه جزء كبير من المحاصيل الزراعية إلى إنتاج الوقود بدلاً من استخدامها كغذاء للإنسان.
وعلى العموم فإن الوقود الحيوي يلقي بتأثيرات مهمة على أزمتي الغذاء والطاقة، ولهذه التأثيرات وجه إيجابي وآخر سلبي؛ فعلى الصعيد الإيجابي يعدّ الوقود الحيوي أحد الحلول الواعدة لحل أزمة الطاقة لكونه أحد بدائل الطاقة الأحفورية، فضلاً عن تأثيراته الإيجابية في القطاع الزراعي متمثلة في تطويره، وتنمية البنية التحتية للمناطق الريفية التي تزرع فيها المحاصيل الزراعية الداخلة في إنتاجه، علاوة على البعد البيئي متمثل في مواجهة ظاهرة الاحترار العالمي، إلى جانب التخلص من المخلفات الزراعية والعضوية باستخدامها كمادة خام لإنتاجه.
أما الوجه السلبي فيتمثل في التأثيرات الناتجة عن التوسع في استخدام المحاصيل الزراعية لإنتاجه، وبالتالي نقص المحاصيل الغذائية وارتفاع أسعارها، وإزاحة محاصيل الطاقة (قمح وذرة وقصب وفول الصويا وغيره) لاستخدامها في إنتاج الطاقة.
فضلاً عن تأثيرات الوقود الحيوي في الدول النفطية.
ويتطرق الكتاب لبعض المعوقات التي تحد من قدرة قطاع الوقود الحيوي على الاستجابة لتغيرات الأسعار النسبية للوقود الأحفوري والمحاصيل الزراعية الأساسية، أهمها المشكلات التقنية، إلى جانب التنافس بين المواد الوسيطة (محاصيل الطاقة) اللازمة لإنتاج الوقود الحيوي مع المحاصيل الزراعية الأخرى على موارد الإنتاج.
إلا أن تقلبات أسعار الوقود الأحفوري (النفط خاصة)، وقابليته للنفاد، والمشكلات البيئية الناتجة عن استخدامه...تجعل الحاجة ملحة إلى إيجاد بديل عنه، والنظر باتجاه الوقود الحيوي كأحد الحلول الممكنة لمشكلة الطاقة.
لذلك قامت دول عدة باستخدام الوقود الحيوي السائل في قطاع النقل كبديل للوقود الأحفوري؛ مثل الولايات المتحدة والبرازيل اللتين تعتبران رائدتين في هذا المجال.
وكما يؤكد المؤلف أخيراً، فإن ثمة ضـرورة لتعزيز مميزات الوقود الحيوي، والمتمثلة في كونه أحد مصادر الطاقة المتجددة، وفي قدرته على الإسهام في حل أزمة الطاقة الأحفورية المهددة بالنضوب وذات التأثيرات البيئية الضارة.
كما أن ترشيد صناعة الوقود الحيوي قد تلعب دوراً مهماً في تنمية القطاع الزراعي، والحد من الآثار الضارة على الأمن الغذائي للدول النامية تحديداً.
محمد المنى
الكتاب: الوقود الحيوي بين أزمة الغذاء وأزمة الطاقة المؤلف: عزمي محمد الغايش
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2013