الفيتامينات لعلاج نقص التركيز
على رغم أن فهم ومعرفة الأطباء بالعلاقة بين بعض المواد العضوية الموجودة في غذائنا بكميات متناهية الصغر، والمعروفة بالفيتامينات والمعادن، وبين الحفاظ على صحة جيدة، وربما تحقيق الوقاية من بعض الأمراض والعلل، يعود إلى نهايات القرن الثامن عشر وبدايات القرن التاسع عشر، إلا أن هذه المعرفة لا يمكن وصفها بأنها تامة أو حتى شبه كاملة، وهو ما يتضح من استمرار تواتر الدراسات التي تظهر جوانب جديدة للعلاقة بين الفيتامينات، وبين الصحة والمرض.
ولعل من نتائج أحدث تلك الدراسات ما نشر في العدد الأخير من إحدى الدوريات المتخصصة في العلوم النفسية (The British Journal of Psychiatry)، وأظهر أن البالغين المصابين بالاضطراب المعروف بنقص التركيز المصاحب بفرط النشاط، تحسنت حالتهم الصحية بقدر بسيط، على صعيد قدرتهم على التركيز، وخفض فرط النشاط، بعد انتظامهم لمدة ثمانية أسابيع في تناول الفيتامينات والمكملات الغذائية. حيث اكتشف علماء جامعة كانتربري بنيوزيلندا، أن تناول مجموعة من المصابين بنقص التركيز وفرط النشاط، لعدد من المكملات الغذائية، شملت فيتامين (د)، وفيتامين (ب12)، وفيتامين (ب6) أو حمض الفوليك، والحديد، والكالسيوم، والزنك، والنحاس، قد أدى لتراجع ملحوظ في حدة وشدة أعراض مرضهم، مقارنة بمجموعة أخرى مصابة بنفس الاضطراب، لم يتلقّ أعضاؤها أياً من تلك المكملات. ويؤمل من نتائج هذه الدراسة، أن تساعد المكملات الغذائية في السيطرة على أعراض هذه الحالة، على الأقل بشكل مقارب للأدوية والعقاقير المستخدمة في العلاج.
وتأتي أهمية هذه الدراسات من التقديرات التي تشير إلى أن اضطراب نقص التركيز المصاحب بفرط النشاط، يصيب حوالي 7 في المئة بين من هم دون سن الثامنة عشر، مع التوقع بتزايد نسبي في المعدلات، عند البدء في تطبيق معايير التشخيص الجديدة، بالإضافة إلى تزايد الإدراك بالتبعات السلبية الخطيرة لهذه الحالة، حيث أظهرت دراسة أجراها أحد المراكز الطبية السويدية (Karolinska Institute)، أن علاج المرضى المصابين بنقص التركيز المصاحب بفرط النشاط باستخدام الأدوية والعقاقير، يمكنه أن يخفض نسبة حوادث الطرق التي ينخرط فيها هؤلاء بمقدار النصف، وهو ما من شأنه أن ينقذ الحياة الكثيرين منهم، ومن مستخدمي الطرق الآخرين. فمن خلال متابعة 17 ألف مريض، ولمدة أربعة أعوام كاملة، اكتشف الباحثون أن هؤلاء الأشخاص، معرضون للإصابة والوفيات من جراء حوادث الطرق، بنسبة أعلى مقارنة بالأشخاص الطبيعيين، وإن كانت معدلات الحوادث بين من يتلقون العلاج من هؤلاء المرضى، كانت أقل من أقرانهم الذين لا يتلقون علاجاً.
ويمكن تلخيص المعرفة الطبية الحالية المتعلقة بالفيتامينات في التالي: 1- تعتبر الفيتامينات من العناصر الغذائية المهمة والضرورية، والأساسية أيضاً، حيث لا يمكن للجسم تصنيعها داخلياً ولابد له من الحصول عليها من مصدر خارجي. 2- يحتاج الجسم إلى كميات متناهية الصغر من هذه المركبات العضوية، ويمكن الحصول عليها ببساطة من خلال تناول مقادير معقولة من الخضراوات، والفواكه الطازجة، وبعض أنواع الأطعمة الأخرى حسب نوع الفيتامين. 3- نقص هذه الفيتامينات بشكل مزمن من الغذاء يتسبب في حزمة متنوعة وخطيرة من الأمراض. 4- تناول كميات كبيرة من هذه الفيتامينات، لفترات طويلة، قد يؤدي إلى آثار سلبية، وربما حتى الوفاة المبكرة. فعلى سبيل المثال يرتبط تناول فيتامين «أ» بزيادة احتمالات الإصابة بسرطان الرئة بين المدخنين. 5- بالنسبة الأشخاص الأصحاء، الذين يتناولون غذاء صحياً متوازناً، لا حاجة إلى تناول كميات إضافية من الفيتامينات.
والنقطة الأخيرة، أو عدم الحاجة لتناول المكملات والفيتامينات من قبل الأصحاء، أكدتها بداية الأسبوع الماضي، نتائج دراسة نشرت في إحدى الدوريات الطبية العالمية (The Lancet)، حين أظهرت أنه لا يوجد سبب كافٍ لتناول فيتامين (د) من قبل الأشخاص الأصحاء، كإجراء وقائي ضد بعض الأمراض، أو لهدف تقوية العظام وتجنب التعرض للكسور. فعلى رغم التوصية بوصف هذا الفيتامين لبعض المجموعات المعرضة لحدوث نقص فيه، مثل الأطفال الرضع، والنساء الحوامل، وكبار السن، إلا أنه لا يوجد سبب طبي، أو أية فائدة ترجى، من تعاطيه من قبل البالغين الأصحاء. وبخلاف عدم جدوى تناول المكملات الغذائية والفيتامينات، إلا في حالات التعرض لنقص فيها لسبب أو لآخر، أو من قبل بعض الفئات العمرية الخاصة، يمكن لهذه المركبات أن تسبب ضرراً أكثر من نفعها. فكما ذكرنا سابقاً، يرتبط فرط تناول فيتامين (أ) بسرطان الرئة بين المدخنين، كما يرتبط تناول الزنك بانخفاض في فعالية جهاز المناعة، وقد يؤدي تناول المنجنيز إلى اضطرابات عصبية وعضلية. وإذا ما اضطر المرء لتناول المكملات الغذائية والفيتامينات لسبب طبي أو آخر، أو بدون سبب، لمجرد الرغبة في الوقاية من بعض الأمراض، أو خوفاً من أن يكون يعاني من نقص في نوع أو أكثر منها، فلابد أن يكون هذا تحت إشراف طبيب، كون المكملات الغذائية والفيتامينات مركبات كيميائية ذات فعالية بيولوجية، وآثار صحية متعددة، ليست جميعها معروفة أو مفهومة بالكامل، كما تظهر الدراسات الواحدة تلو الأخرى.