روسيا وأميركا... علاقات مهمة وصعبة
العلاقات الأميركية الروسية موضوع غني ودسم كُتبت فيه العديد من الكتب والبحوث والدراسات، لكن ما يميز كتاب «حدود الشراكة... العلاقات الأميركية الروسية في القرن الحادي والعشرين»، الذي نعرضه هنا، هو المشوار المهني لمؤلفته أنجيلا ستانت، التي تعد مرجعاً في هذا المجال، سواء بصفتها الأكاديمية كأستاذة متخصصة في الشأن الروسي بجامعة جورج تاون أو كمستشارة تولت هذا الملف في إدارتي بوش وكلينتون.
تضع ستانت العلاقات بين البلدين تحت المجهر منذ سقوط الاتحاد السوفييتي إلى اليوم، مستعرضةً التحديات الكثيرة التي تواجهها، إضافة إلى آفاق وفرص التعاون التي يمكن أن تخدمها.
والحقيقة أن الرؤساء الأميركيين سعوا مراراً إلى نسج شراكة متينة ومثمرة مع روسيا؛ لكنهم سرعان ما كانوا يجدون أنفسهم رهينة انعدام الثقة الكبير الناتج عن الحرب الباردة. ومع ذلك، تظل روسيا بالنسبة للولايات المتحدة إحدى الأولويات المهمة نظراً لترسانتها النووية، وموقعها الاستراتيجي المتاخم لأوروبا وآسيا، وقدرتها على دعم المصالح الأميركية أو إحباطها. لكن لماذا يصعب تحريك علاقاتهما الثنائية إلى الأمام؟ وما هي إمكانيات القيام بذلك مستقبلاً؟ وهل هذا جهد محكوم عليه بالفشل؟
الصورة أبلغ من الكلمات: أوباما وبوتين يلتقيان في قمة مجموعة العشرين في مكسيكو سيتي في منتصف 2012، ومرة أخرى العام الماضي في قمة مجموعة الثماني في إيرلندا الشمالية. غير أنه خلال هذين اللقاءين، بدا كما لو أن الزعيمين يتنافسان على رؤية من يستطيع أن يبدو أكثر شعوراً بالملل والضجر من الآخر. وربما لهذا السبب ألغى أوباما لقاءه الثاني مع بوتين، ولن يحضر افتتاح الألعاب الأولمبية الشتوية في سوتشي.
والواقع أن العلاقات الأميركية الروسية كانت دائماً متشنجة، مثلما تلفت إلى ذلك ستانت في استعراضها لتاريخ هذه العلاقات منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991. لكنها تشير إلى أنه كانت ثمة أربع محاولات على الأقل لـ«إعادة ضبط العلاقات الثنائية» أو فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. غير أنها لم تكلل بالنجاح؛ وكانت آخرها تلك التي تمت في 2009، عندما ذهبت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى حد تقديم زر لوزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف رمزاً لفتح فصل جديد في العلاقات الثنائية.
كما كان كل من بوش الأب وكلينتون حريصين على ألا يبدوا منتشيين بالنصر على نحو مفرط بعد انتهاء الحرب الباردة. ورغم أنهما وجدا أن التعامل مع يلتسن أصعب من جورباتشيف، فإنهما دعما يلتسن خلال عقد التسعينيات المضطرب. وفي البداية على الأقل، رحب كلينتون وخلفه بوش الابن ببوتين أيضاً. غير أنه لم يكن ثمة مفر من التوتر، حيث تواصل التنافس بين أكبر قوتين نوويتين، لأنه كثيراً ما كان يُنظر في موسكو لـ«الناتو» باعتباره تهديداً. واستمرت عقلية الحرب الباردة في كل من موسكو وواشنطن بعد 1991. والأهم من ذلك أن خلفية بوتين كضابط سابق في الـ«كي جي بي»، واعتقاده بأن انهيار الاتحاد السوفييتي هو «أكبر كارثة جيوسياسية في القرن العشرين»، ساهما في الحكم على هذه العلاقات بالتوتر والتشنج.
ستانت تحاول رواية القصة بتجرد وحياد. فبعد توسع الناتو والتوتر الطويل على خلفية منظومة الدفاع الصاروخي، جاءت حرب العراق، ثم تلتها الثورات «الملونة» في جورجيا وأوكرانيا وقيرغيزستان. وبعد ذلك جاء خطاب بوتين الشرس في ميونيخ عام 2007، ثم قمة الناتو في بوخاريست وحرب روسيا مع جورجيا 2008. وبعد ذلك، علقت إدارة أوباما آمالاً جديدة على الرئاسة الانتقالية لدميتري ميدفيديف. لكن الخلافات استمرت بخصوص إيران وليبيا، ثم سوريا وقضية إدوارد سنودن، واليوم أوكرانيا.
لكن هل كان يمكن للأمور أن تنحو منحى أفضل؟ الواقع أن جَسر الخلافات بين الجانبين صعب؛ لكن الأساسي في هذا الكتاب هو أن الروس لا يتوقون إلى الاتفاق بقدر ما يتوقون إلى الاحترام. فلو أن الرؤساء الأميركيين المتعاقبين سعوا لطمأنة الزعماء الروس إلى أنهم ما زالوا مهمين في العالم، لكانت العلاقات أسهل، تقول المؤلفة. لكن المشكلة هي أنه نظراً لتردي حالة الاقتصاد والتراجع السكاني وغياب أي صادرات تقريباً عدا النفط والغاز، باتت روسيا أقل أهمية مما كانت عليه. وهي الحقيقة المرة التي مازال على بوتين أن يدركها.
محمد وقيف
الكتاب: حدود الشراكة... العلاقات الأميركية الروسية في القرن الحادي والعشرين
المؤلفة: أنجيلا ستانت
الناشر: برينستون يونفرستي برس
تاريخ النشر: 2014