الصحافة الفرنسية
تحذيرات كيري تقلق تل أبيب... و«سوتشي» تكرس زعامة بوتين
المكاسب السياسية الروسية المتوقعة من وراء أولمبياد «سوتي»، وتحذير جون كيري لإسرائيل من تفاقم العزلة، ودعوة لتغيير مقاربة التفاوض بين أطراف الصراع السوري، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
أولمبياد «سوتشي»
نشرت صحيفة لوموند يوم أمس السبت افتتاحية بعنوان «فلاديمير بوتين لا يستحق منصة» قالت في بدايتها، إن إشراف الرئيس الروسي شخصياً على الحفل الافتتاحي للألعاب يوم الجمعة، أول من أمس، يؤشر إلى مدى الاهتمام الاستثنائي الذي يوليه لهذا الحدث الرياضي الدولي، لتحقيق غايات وأهداف سياسية وتاريخية لبلاده. ويعرف عن الروس أنهم مضيافون، ولذلك فسيبذلون جهداً استثنائياً لإنجاح هذا الحدث ولتحقيق مكاسب تخدم صورة بلدهم في العالم الخارجي. ويقول الرياضيون المتنافسون في الأولمبياد، إنهم راضون عموماً عن تجهيزات القرية الأولمبية، هذا فضلاً عن جمال منطقة القوقاز نفسها حتى لو كان الاختيار قد وقع على مدينة ذات أجواء شبه مدارية لاستضافة ألعاب تقتضي في معظمها وجود الثلج والجليد. وتمضي الصحيفة بعد ذلك معددة بعض أوجه الانتقاد لهذه الألعاب مبرزة تكلفتها المادية والبيئية، وأيضاً، كما يفهم من عنوان الافتتاحية، تكلفتها السياسية، والمكاسب التي يروم بوتين تحقيقها من ورائها، مما هو محل انتقاد تقليدي في الصحافة الغربية.
وفي التفاصيل قالت الصحيفة إن التكلفة المالية كانت مبالغاً فيها حيث أنفق الروس 37 مليار «يورو» على ألعاب «سوتشي»، وهو ما يمثل أربعة أضعاف ما أنفقه البريطانيون على أولمبياد لندن الصيفي قبل أقل من عامين فحسب. ويضاف إلى هذا الثمن البشري والبيئي: حيث تم ترحيل بعض القرويين، ولحقت أضرار جسيمة بالوسط البيئي الذي شقته ومزقته الطرق السريعة، كما تعرض النشطاء «الخضر» للمضايقة وتكميم الأفواه... إلخ.
ولكن في «سوتشي» كما في لندن وبكين يقع الرهان على سمعة ورفعة البلد المستضيف الذي يراد تقديمه في أفضل صورة للعالم بغض النظر عن التكلفة التي يقتضيها ذلك. ويزداد الشعور بوضع هذا الهدف في المقدمة، خاصة في حالة روسيا بقيادة رئيسها القوي بوتين. وقد أراد هذا الأخير تقديم «سوتشي» تحديداً كدرة تاج وعلامة فارقة لعهده. ولذا فلابد أن تكون هذه الألعاب في مستوى يرضي طموح رئاسة تطمح لإعادة روسيا إلى مصاف الكبار على المسرح الدولي. ولكن كل هذا لا يخفي أيضاً أن روسيا ما زالت تواجه تحديات اقتصادية كثيرة، فأسعار المحروقات مرتفعة، على رغم كونها هي المنتج الأهم الذي تصدره البلاد، هذا في حين تراوح معدلات النمو الاقتصادي بالكاد في حدود 1% في سنة 2013.
من جانبه كتب باتريك آبل- مولر افتتاحية في صحيفة لومانتيه -الشيوعية- قدم فيها صورة إيجابية عموماً عن انطلاق أولمبياد «سوتشي»، متحدثاً في بدايتها عن الأجواء الحسنة التي انطلقت فيها، ناقلاً عن منسق اللجنة الأولمبية الدولية المعني بتقييم أحوال أولمبياد 2014 قوله إن «كل الوعود التي جرى الالتزام بها في عام 2007 قد تم الوفاء بها على نحو باهر»، كما قال المسؤول الرياضي الدولي أيضاً إن سوتشي «أصبحت مدينة واجهة لما يسميه الروس أنفسهم بروسيا الجديدة». وفي مقابل ما يسوقه الإعلام الغربي الآن من انتقادات ضد أولمبياد «سوتشي» الروسي، يقول الكاتب «كانت هناك ألعاب كوكا كولا، والآن هناك أيضاً ألعاب بوتين، التي يريد من خلالها إثبات عودة بلاده إلى صدارة المشهد الدولي بسقف تطلعات مرتفع. وقد بذل الرئيس الروسي كل جهد لإظهار شعبيته في الداخل ومصداقيته في الخارج». والاستفادة من الأحداث الرياضية الدولية الكبرى لتحقيق مكاسب سياسية وطنية ليست أمراً جديداً أيضاً، كما ليس جديداً كذلك أن تتحول الألعاب الأولمبية نفسها إلى حلبة لتصفية الحسابات السياسية، وهذه حقيقة لا يمكن تغطيتها بغلالة من الثلج أو من بالجليد.
بعبع «كيري»
في صحيفة لوفيغارو كتب بيير روسلين مقالاً بعنوان «لماذا صار جون كيري بعبعاً لإسرائيل»، قال في مستهله إنه لم تكد تمر أسابيع قليلة على تقديم وزير الخارجية الأميركي لمخططه للسلام حتى تحول إلى بعبع بالنسبة لليمين الإسرائيلي. وقد امتلك كيري الجرأة لإثارة تداعيات المقاطعة التي يمكن أن تواجهها الدولة العبرية إذا واصلت رفض العروض التي تقدم لها ضمن جهود ماراثون عملية السلام. ولاشك أن التلميح إلى عزلة إسرائيل المتزايدة عن العالم كان في محله تماماً، وذلك بحكم عناد حكومة نتنياهو وصمّها الآذان عن سماع نصائح الدبلوماسي الأميركي، وبدلاً من ذلك تتحدث عما تسميه «حملة لنزع الشرعية عن دولة إسرائيل». ولكن مبادرات المقاطعة شهدت خلال الأسابيع الأخيرة تطورات تقرع أجراس الإنذار، يقول الكاتب، ما جعل الحديث عنها يكتسي زخماً غير مسبوق.
فقد أرغمت الممثلة الأميركية سكارليت جوهانسون على فسخ عقدها مع منظمة «أوكسفام» غير الحكومية وذلك بسبب ترويجها لشركة يوجد مقرها في المستوطنات بالضفة الغربية. كما قرر بنك التحوط الاجتماعي الهولندي PGGM التوقف عن الاستثمار في خمسة بنوك إسرائيلية لها حضور في تلك المستوطنات نفسها. وفي الولايات المتحدة أعلنت منظمة جامعية كبيرة هي اتحاد الدراسات الأميركية ASA عن مقاطعة أكاديمية لإسرائيل. ومن جانبه يطبق الاتحاد الأوروبي «خطوطاً إرشادية» تستبعد من التعاون مع إسرائيل المؤسسات الموجودة في الأراضي المحتلة. هذا بالإضافة إلى الحملة الدولية التي تقودها «مقاطعة، عدم استثمار، عقوبات» المعروفة اختصاراً بـBDS وهي منظمة تمتلك إمكانات كبيرة وتلقى تجاوباً محسوساً وتركز في عملها على استهداف سياسة الاستيطان التي تتبناها حكومة نتنياهو في الأراضي المحتلة. كما أن ذريعة التلويح بمعاداة السامية لكل منتقد لإسرائيل بدأت هي أيضاً تفقد كثيراً من فاعليتها، وتأثيرها.
وتخوض منظمات المجتمع المدني الآن معركة لكسب القلوب والعقول واكتساب الرأي العام العالمي إلى جانبها، وهو ما سيسمح لها بفرض رأيها وإرادتها على دبلوماسيات الدول الغربية في النهاية. ويترافق هذا مع مؤشر آخر مقلق للغاية بالنسبة لإسرائيل هو تراجع دور وحضور المنظمات اليهودية في الولايات المتحدة.
وعلى رغم حملة لوبي «آيباك» المؤثر الموالي لإسرائيل والضغوط التي سلطها على السيناتورات الأميركيين فقد فشل مع ذلك مؤخراً في فرض تصويت على عقوبات جديدة ضد إيران، لأن ذلك كان من شأنه أن يفشل المفاوضات الجارية الآن بين طهران والمجتمع الدولي بشأن برنامجها النووي. ومع توالي الأجيال واختلاف عقلياتها بدأ المسؤولون الإسرائيليون يعبرون عن استيائهم من رؤية اليهود الأميركيين وهم يأخذون مسافة أمان من الدولة العبرية وسياساتها. وقد بدأ تأثير ونفوذ منظمة يهودية أخرى منافسة للوبي «آيباك» تدعى «جي ستريت» يقلق ساسة تل أبيب، خاصة أن هذه المنظمة الأخيرة تبدو أكثر تفهماً وتأييداً للسلام، وللقضية الفلسطينية. وفي الأخير اعتبر الكاتب أن على نتنياهو وحكومته أخذ تحذيرات كيري على محمل الجد، لأن صبر العالم، وحكوماته، ومنظماته غير الحكومية، ورأيه العام على ممارسات تل أبيب، قد نفد، ولذا فليس أمامها خيار آخر سوى أن لم تذعن لاستحقاقات عملية السلام.
الأزمة السورية
في صحيفة لوموند كتب جان- دافيد لفيت وهو سفير فرنسي سابق، ومستشار لشيبراك وساركوزي، مقالاً بعنوان «للخروج من الصراع السوري، غيّروا الطريقة» قال فيه إنه على رغم الجهود التي بذلت لإنجاح المفاوضات بين أطراف النزاع، ولتحديد مستقبل سوريا، إلا النتائج المنشودة لم تتحقق. وهنا يمكن الاستفادة من دروس بعض تجارب تسوية الصراعات الدولية السابقة. ولعل من الأمثلة التي تفيد في هذا السياق اتفاق السلام في كمبوديا، وذلك لكثرة النقاط وأوجه الشبه المشتركة بين المأساتين: شعب تعرض للمجازر على أيدي قادته، وضلوع واسع في النزاع للقوى الإقليمية، مع وجود لعبة أمم بين القوى الدولية الكبرى. ويومها تمكنت فرنسا في عام 1989 من إقناع أطراف النزاع الكمبودي بالانخراط في مسار تفاوضي من ثلاث مراحل، تكشف في النهاية عن توقيع اتفاقية باريس في عام 1991 مع الاتفاق على تنظيم انتخابات ديمقراطية بإشراف الأمم المتحدة.
وإذا تعاملنا مع الصراع السوري بذات الطريقة يمكن الحديث عن مسار تفاوضي من ثلاث مراحل، في الأساس، لضمان إنجاح الحوار بين السوريين، أي بين أولئك الذين يتحدثون باسم النظام القائم في دمشق، وأولئك الذين يتحدثون أيضاً باسم معارضيه. ويتعين أن تكون مفاوضات جنيف بين الطرفين مستمرة وليست فقط دورية، وذلك لضمان مواصلة الجهود الحثيثة حتى التوصل إلى اتفاق. ويقترح الكاتب أن يكون المشرف على المفاوضات شخصية أخلاقية دولية مؤثرة، مثل كوفي أنان الذي يقيم في جنيف، خاصة أنه كان هو المبعوث الأول للأمم المتحدة والجامعة العربية المكلف بالبحث عن حلول لهذا النزاع.
إعداد: حسن ولد المختار