بدأت في العاصمة طهران وفي جميع المحافظات والمدن الإيرانية احتفالات الذكرى الخامسة والثلاثين لانتصار الثورة الإسلامية بدءاً من الأول من فبراير تاريخ عودة الإمام الخميني من منفاه في باريس إلى طهران، وبعد عشرة أيام من التظاهرات والقتل والمواجهات انضمت قوات الجيش الإيراني إلى الثوار وسقط النظام الملكي وانتصرت ثورة شعبية شاركت فيها أطياف الشعب ولكن سرعان ما اختطفت الثورة لتؤسس دولة دينية على قاعدة ولاية الفقيه. وفي الذكرى الخامسة والثلاثين لتأسيس دولة «ولاية الفقيه»، لا يزال المبدأ الذي تأسست عليه الدولة موضع خلاف وأوجدت خلافاً فقهياً وسياسياً حاداً حول منصب الولي الفقيه، كيفية شغله ومدى صلاحياته، وبرز اتجاهان فقهيان في تفسير ولاية الفقيه: المطلقة أم المقيدة، فولاية الفقيه المطلقة تعنى بشؤون الناس الدينية والدنيوية، الخاصة والعامة بشكل مطلق، وللولي الفقيه الحق في الحكم المطلق على الناس، وهو بمستوى الإمام المعصوم، وعدم طاعته هو نوع من الردة والكفر والخروج عن الطاعة وحكم الله ويستند هذا الاتجاه إلى المادة الخامسة من الدستور، حيث تحدد هذه المادة تولي الفقيه العالم العادل أمور المسلمين في فترة غيبة المهدي. ويؤكد خامنئي «إذا تعارضت أوامر الولي الفقيه مع مطالب الجماهير فإن تنفيذ أوامر الفقيه أولى وأوجب»، فولاية الفقيه مطلقة ومرشد الثورة الإسلامية في إيران، هو الولي على كافة المسلمين في العالم، وطاعته واجبة كطاعة الإمام المهدي المنتظر لأنه نائبه. ورغم تأسيس الجمهورية الإسلامية على مبدأ ولاية الفقيه المطلقة إلا أن عدداً متزايداً من فقهاء الشيعة عارضوا ولاية الفقيه الخمينية في حياته ولحد الآن، ومن أبرز فقهاء الشيعة المعارضين للولاية المطلقة والمؤيدين لولاية الفقيه الجزئية،أي التي تعنى بالمسائل الدينية فقط، وليس في المسائل الدنيوية والمطلقة،آية الله حسين علي منتظري النائب السابق للخميني الذي كان مقرراً أن يخلفه إلا أن الخميني عزله وفرض عليه إقامة إجبارية في منزله والتي استمرت لحد يوم وفاته عام 2009. كما عارض نظرية ولاية الفقيه الخمينية فقهاء الشيعة في النجف الأشرف كالسيد محسن الحكيم ونجله السيد محمد باقر الحكيم والسيد أبو القاسم الخوئي، والشيرازي. كما يعارضها من فقهاء الشيعة المعاصرين السيد علي السيستاني، والسيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ إسحاق فياض، والشيخ بشير النجفي. فولاية الفقيه المقيدة تجعل من ولاية الفقيه انتخابية، بحيث يمكن للشعب انتخاب وعزل الفقيه حسب شروط يضعها الدستور بناء على مبدأ المقبولية. ويعتبر آية الله هاشمي رفسنجاني رئيس مجلس تحديد مصلحة النظام من أكثر الداعمين لإلغاء ولاية الفقيه المطلقة حيث أعلن في انتخابات الرئاسة لعام 2005 عن خطة إصلاحية شاملة تعطي الأولوية داخلياً لإلغاء نظام ولاية الفقيه حيث صرح بأنه «يرغب في أن تتذكره الأجيال القادمة بأنه وضع فصل الختام في كتاب الاستبداد الديني بتعديل الدستور وحذف ولاية الفقيه وإشراك جميع القوى الوطنية والليبرالية واليسارية المعتدلة في عملية تأسيس دولة حديثة متفتحة، على سلام مع نفسها ومسالمة في نظرتها نحو العالم». لقد أكد رفسنجاني على وجود أزمة في النظام الإيراني مما سيكون له أثر في المستقبل القريب سواء على السياسة الداخلية أو السياسة الخارجية. وفي الذكرى الخامسة والثلاثين للثورة أكد رفسنجاني أن بلاده لم تحقق أهداف الثورة بعد 35 عاماً من قيامها،وأنها لا تزال على مسافة بعيدة عن تلك الأهداف التي رسمها القائمون على النظام الذي أعقب حكم الشاه. إن الانتقال من الأيديولوجية الثورية إلى تأسيس الدولة الحديثة يتطلب التكيف مع الواقع الاجتماعي داخلياً والسياسي دولياً وفشل تحقيق أهداف الثورة لا يغيب عن أعين قادة النظام الذين يدركون الحاجة إلى التغيير من خلال النظام لا من خلال ثورة على النظام، تغيير يؤدي إلى تحسين الوضع الاقتصادي وزيادة الحريات الفردية وتقليص الفجوة بين المؤسسات الحاكمة والشعب لتعزيز النظام دون الحاجة لـ«ثورة خضراء» جديدة تضع «ولاية الفقية» تحت الاختبار من جديد.