ترشيد الطاقة خليجياً
اتخذت بعض دول مجلس التعاون الخليجي، كالإمارات والسعودية خطوة مهمة للغاية تتعلق بالسعي إلى تخفيض معدل استهلاك الطاقة بنسبة 30 في المئة بنهاية عام 2030، وهي خطوة سيكون لها انعكاسات اقتصادية وبيئية إيجابية كبيرة على الاقتصادات الخليجية.
يأتي هذا التوجه في ظل الارتفاع الهائل في الطلب على مصادر الطاقة والمياه في دول المجلس، والذي يفوق كثيراً معدلات الطلب العالمي، وذلك لأسباب عديدة، يأتي في مقدمتها الزيادة السكانية الناجمة عن النمو السريع ورخص مصادر الطاقة، ما يؤدي إلى المبالغة في استهلاكها من قبل المواطنين والمقيمين، في الوقت الذي تتحمل موازنات دول المجلس مبالغ طائلة لدعم الأسعار وتلبية احتياجات الجميع.
يشير ذلك إلى خلل في ميزان الطاقة الخليجي وفي العلاقة ما بين مستويات الأسعار وحجم الاستهلاك والذي يرتفع بنسبة 10 في المئة سنوياً، حيث تبذل دول المجلس جهوداً كبيرة لتلبية هذا الارتفاع، مما يرهق موازناتها السنوية، خصوصاً وأن الدعم المقدم يشمل الأفراد والاستهلاك المنزلي، كما يشمل قطاع الأعمال والمؤسسات الانتاجية والمعفية في الوقت نفسه من أي شكل من أشكال الضرائب.
وإذا كانت هذه العلاقة مقبولة إلى حد كبير في السابق بفضل وفرة مصادر الطاقة ومحدودية عدد السكان، فإن أوضاع الطاقة في العالم أخذت في التغير بصورة سريعة، كما أن الاقتصادات الخليجية حققت في العقود الأربعة الماضية مستويات نمو سريعة وضعتها في مقدمة بلدان العالم من ناحية النمو ومعدلات الاستهلاك.
مثل هذه التغيرات، تتطلب في المقابل تغيراً جذرياً في سياسات الطاقة لتتناسب والتغيرات الاقتصادية المحلية من جانب والتغير في موازين الطاقة الدولية من جانب آخر، وهو ما تحاول دول المجلس الوصول إليه بصورة صحيحة من خلال تخفيض معدل الاستهلاك بنسبة 30 في المئة خلال السنوات الخمس عشرة القادمة.
ويتوقع أن يتضمن هذا التوجه أولاً القيام بتعديلات شاملة للأسعار، وذلك لتقريبها من مستوياتها في السوق الدولية، مما سيؤدي إلى ترشيد الاستهلاك وقصره على حدود الاحتياجات الفعلية دون إهدار، مما سيخفف العبء الواقع على موارد الدولة المالية في الوقت الحاضر، شريطة أن تكون هذه الزيادات تدريجية، خصوصاً وأن هناك توجهاً خليجياً لتوحيد أسعار الطاقة في دول المجلس.
وضمن هذا التوجه لا بد من إعادة دراسة وتقييم الدعم المقدم لخدمات الطاقة والمياه وللخدمات بشكل عام، إذ أن تعميم الدعم بالأسلوب العام والشامل ودون تقييد ربما لا يؤدي إلى تخفيض الاستهلاك المفرط.
و ثانياً، أصبح تنويع مصادر الطاقة مسألة ضرورية للتخفيف من تكاليف الانتاج، التي تعتبر مرتفعة في الوقت الحاضر، خصوصاً وأنها تعتمد بصورة أساسية على المصادر الهيدركربونية والتي تضاعفت أسعارها في السنوات القليلة الماضية، كما أنها مرشحة للارتفاع لأسباب عديدة.
ومن أجل زيادة فعالية البرنامجين الإماراتي والسعودي وإنجازهما بالصورة المطلوبة، فإنه لا بد من تجاوب المستهلكين من مواطنين ومقيمين مع هذه التوجهات وتفهم أغراضها التنموية المهمة، كما أن وضع وتنفيذ برامج مشابهة في بقية دول المجلس، سيساهم في سرعة وتكامل مكونات هذا التوجه التنموي المهم، وسيؤدي إلى وقف عمليات تهريب المشتقات النفطية وتكامل سوق الطاقة الخليجي، والذي يعتبر أحد أهم مرتكزات التنمية في ظل السوق الخليجية المشتركة.
وإذا تحققت أهداف برامج تخفيض استهلاك الطاقة والمياه بهذه النسبة الكبيرة، فإن معدلات الاستهلاك في دول المجلس ستقترب من المعدلات العالمية، وهي مسألة تنموية ملحة ومطلوبة، وتتطلب تعاون الجميع ليساهم كافة أفراد المجتمع في المحافظة على هذه المصادر وتدعيم توجهات دول المجلس في سعيها لتحقيق التنمية المستدامة، علماً بأن رفع الأسعار ليس بالضرورة أن يؤدي إلى زيادة الأعباء على المستهلكين، إذ أن عملية الترشيد ستؤدي بالضرورة إلى تخفيض الاستهلاك وحصره بالاحتياجات الضرورية، مما يعني دفع فواتير أقل تكلفة، وبالأخص إذا ترافق ترشيد الاستهلاك مع الاستعانة بالتقنيات الحديثة، كالعزل الحراري ونهج الاقتصاد الأخضر.