خلال الشهرين الماضيين قطعت الهند شوطاً كبيراً على طريق التواصل مع العالم العربي في دليل على الأهمية التي توليها نيودلهي لعلاقاتها بدول المنطقة. وكان «تشيدا مبرام» وزير المالية الهندي يزور المملكة العربية السعودية قبل أسبوعين، بينما كان زميله «سلمان خورشيد» وزير الخارجية في زيارة استغرقت أسبوعاً للسودان والمغرب وتونس. وتأتي زيارة وزير الخارجية لهذه الدول بعد فترة طويلة، وبعد مشاركة الهند في مؤتمر جنيف الخاص بسوريا. ومشاركة الهند في الحقيقة في العالم العربي شهدت عدداً من الزيارات بين الطرفين في الشهور القليلة الماضية. ونيودلهي تأمل في أن ينظر إلى هذا باعتباره لافتة على التزام الهند تجاه المنطقة. وبالإضافة إلى زيارات «تشيدا مبرام» وزيارة «خورشيد» لثلاث دول عربية، فقد زار رئيس الوزراء الكويتي الهند قبل ثلاثة شهور، وهي الأولى من نوعها منذ عشر سنوات. وكانت آخر زيارة لرئيس الحكومة الهندية للكويت في عام 1981 قامت بها رئيسة الوزراء السابقة أنديرا غاندي. وزار وزيرا خارجية مصر والإمارات العربية المتحدة والأمين العام للجامعة العربية الهند في الشهرين الماضيين. وهناك زيارات رفيعة المستوى من دول عربية خليجية متوقعة هذا الشهر. وبالنسبة للهند، فإن الدول العربية مهمة للغاية، فالعلاقات بين الشعوب تمتد لقرون، وأي تطور في العالم العربي له تأثيرات مباشرة على الهند، ليس لأن ثلثي وارداتها من الوقود تستمده من هذه المنطقة، لكن أيضاً لأن ما يقرب من 6.5 مليون هندي يعيشون ويعملون في المنطقة. وبحسب تقرير للبنك الدولي، فقد تلقت الهند ما إجماليه 70 مليار دولار من تحويلات المغتربين أثناء عام 2012 وغالبية هذه التحويلات تأتي من الدول العربية. وبالإضافة إلى هذا فإن إجمالي حجم تجارة الهند مع غرب آسيا بين عامي 2012 و2013 بلغ 205.71 مليار دولار. ومن ثم، فمن الطبيعي أن تعتبر الهند تواصلها مع العالم العربي، أمراً مهماً. وفي محادثات جنيف التي دعيت إليها الهند قال «سلمان خورشيد» بوضوح إن نيودلهي مستعدة تماماً لأن تلعب دوراً في عملية السلام والتوصل إلى حسم جدي للصراع. ومازالت الهند تتمسك بموقفها الذي ترى فيه أنه يتعين إنهاء الأزمة الإنسانية ومعاناة المدنيين السوريين على الفور، وأنه يجب حسم الصراع بطريقة ودية من خلال المصالحة، وليس من خلال التدخل من دول خارجية». لكن اهتمام الهند بالعالم العربي لم ينته بالتعبير عن موقفها بشأن سوريا وعرض تقديم المساعدة. فقد كانت زيارة خورشيد لتونس الأسبوع الماضي أول زيارة لوزير خارجية هندي لهذا البلد، وأشار مسؤولون إلى أنها أول اتصال بعد وقت طويل بمثل هذا المستوى الرفيع بين أكبر ديمقراطية في العالم وبين الديمقراطية العربية الناشئة المتعثرة. وفي الماضي زار وزراء خارجية تونس الهند في عامي 1991 و2000. وتعاونت الهند وتونس في مجال المخصبات الكيماوية واُنشئت وحدة تونسية هندية لإنتاج حمض الفوسفوريك في الصخيرة في تونس في يوليو عام 2013. وتبلغ قيمة التبادل التجاري بين الهند وتونس نحو 406 ملايين دولار في العام. وفي المغرب أيضاً بحث خورشيد توسيع نطاق التعاون. ووقع خورشيد أثناء زيارته للمغرب اتفاقين للتعاون في مجالي البيئة والصيد. وكانت آخر زيارة لمسؤول هندي كبير إلى المغرب عام 1999. وكان العاهل المغربي قام بزيارة رسمية إلى الهند بعد ذلك بعامين. وهناك مشروع مشترك لشركة «تاتا كيميكالز» الهندية المحدودة ينتج 400 ألف طن من حمض الفوسفوريك لتصديرها للهند. وبلغ حجم التبادل التجاري بين الهند والسودان 888 مليون دولار في السنة المالية التي انتهت في مارس عام 2013 ، كما أن الهند هي أكبر مصدر للسودان بعد الصين. وشركة النفط الوطنية الهندية شريك في حقلين لإنتاج النفط في دولة جنوب السودان، وكانت الشركة قد أعلنت توقف الحقلين عن الإنتاج في 26 ديسمبر الماضي بسبب القتال بين قوات حكومة سلفا كير ونائبه السابق رياك مشار. والهند مثل الصين عضو في مجموعة «بريكس»، وهي من أبرز المستثمرين في السودان وجنوب السودان في القطاع النفطي. ويبلغ تعداد الجالية الهندية في السودان نحو 3500 هندي. وبسبب تصاعد مكانة الهند على مستوى العالم، تريد الكثير من دول غرب آسيا، أن يلعب العملاق الآسيوي دوراً أكثر فعالية. لكن بسبب الطبيعة المعقدة للسياسة في غرب آسيا، مازالت الهند تتمسك بسياسة قائمة على توازن علاقاتها مع اللاعبين الكبار في المنطقة. ولقد صاغت الهند بعد تدبر استراتيجية تتبنى التواصل مع كل الدول والعمل سوياً في مجالات الاهتمام المشترك، لأن التحيز يضر بالمصالح طويلة الأمد للبلاد. ولا شك في أن الهند قلقة للغاية من محاولات إيقاظ فتنة الشقاق الطائفي في المنطقة. وهذا لأن الهند بلد متعدد الديانات والأعراق واللغات تمثل فيه التعددية العامل الرئيسي لوحدتها، وتخشى من أن تضر هذه الظاهرة الجديدة بمجتمعها وأمنه ووحدته. الهند والعالم العربي قد بدآ العمل باتباع سياسة النظر إلى الشرق، كما أن العلاقات الهندية الخليجية أخذت تنتعش، فإن التفاعل من خلال زيارات ثنائية رفيعة المستوى أمر مهم دون شك للمضي قدما فيما يتجاوز مجالات النفط والغاز لتحقيق أهداف استراتيجية لصالح الشعوب. وفي هذا السباق من المهم أيضاً للهند أن تعين مبعوثاً خاصاً لغرب آسيا، يبقى على اتصال دائم مع الزعامات في المنطقة. وهذا سوف يساعد القيادة الهندية على فهم الحراك السياسي المتغير في المنطقة. وفي الأسبوعين المقبلين سيعلن عن مواعيد الانتخابات العامة في الهند وبعدها لن تجري المزيد من الزيارات رفيعة المستوى بين الهند والمنطقة العربية. وهناك عدم يقين بشأن أي الأحزاب سيشكل الحكومة الهندية المقبلة حيث يتوقع كثير من المحليين تفتت الأصوات. المؤكد أنه عندما يتعلق بالعلاقات مع العالم العربي، فإن أي حزب سياسي هندي يأتي للسلطة سيواصل تعميق العلاقات مع دول مجلس التعاون الخليجي وجامعة الدول العربية لتنشيط العلاقات السياسية والاقتصادية والأمنية والاستراتيجية.