أولاند يعيد اكتشاف أميركا... وبوتين يستعيد صورة روسيا! حصيلة زيارة الرئيس فرانسوا أولاند إلى أميركا، ورؤية فرنسية «تصالحية» تجاه أولمبياد سوتشي، وتزايد التهديد الدولي بمقاطعة إسرائيل، موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أولاند في أميركا صحيفة لوموند نشرت مقالاً بعنوان نصفه إنجليزي يقول: «الرئيس الجيد أولاند يستميل أوباما، ولكن ليس المستثمرين»، قالت فيه إن الانطباع العام الذي يعطيه الرئيس الفرنسي عن زيارته التي دامت أربعة أيام إلى بلاد «العم سام» هو أن كل شيء ما زال على ما يرام فيما يتعلق بمختلف أبعاد الشراكة الفرنسية- الأميركية. ولذلك كانت الزيارة ناجحة بكل المقاييس، وفي مستوى الصداقة التاريخية المتجذرة بين الجانبين، كما أنها حققت أيضاً الأهداف المرجوة من ورائها. والحال أن علاقات البلدين كانت فعلاً في حاجة إلى إذابة الثلج المتراكم عليها خلال السنوات الماضية، وخاصة يعدما عرفته من فتور خلال فترة غزو العراق مع بدايات العقد الماضي. ولكن من التقاليد السياسية المعروفة أيضاً في علاقات البلدين أنها تكون عادة دافئة وقوية عندما يكون هنالك رئيس اشتراكي في قصر الإليزيه. ومن وجهة نظر أولاند كان الهدف من الزيارة مزدوجاً وهو: إعادة تأكيد وتمتين أوجه الشراكة الحيوية وبخاصة في السياسة الخارجية، وفي الوقت نفسه تغيير الصورة النمطية البائسة المتفشية عن فرنسا في أوساط الأعمال الأميركية. وهذا المطمح الأخير ربما تحقق نصفه بالكاد، وما زال في حاجة إلى مزيد من الجهد، من وجهة نظر الصحيفة. وأما المطمح الأول المتعلق بتقوية أواصر الشراكة فقد جاء على لسان الرئيس أوباما ما يعطي انطباعاً إيجابياً قوياً بصدده، حيث ما فتئ هذا الأسبوع يبدي مظاهر الاحتفاء بالرئيس الفرنسي الذي يصفه بأنه حليف صلب ونشط على المسرح الدولي. ففي ملفات إيران، والشرق الأوسط، ومنطقة الساحل، والمغرب العربي، ظلت فرنسا على الدوام تسعى لتحقيق الأهداف نفسها التي تسعى إليها أميركا. وفي جهود منع انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومكافحة الإرهاب والتطرف، ظلت باريس وواشنطن تسيران معاً بشكل حرفي على نفس الخط، ودون أية تمايزات أو فروق في المواقف والخيارات. وأكثر من هذا أن هذه اللحظة التي تشهد نوعاً من الانكفاء الأميركي وتخففاً من بعض أعباء الالتزامات الدولية تشهد التزاماً فرنسياً ملحوظاً في رفع بعض الأعباء على المسرح الدولي، وخاصة في القارة الأفريقية. وهي تفعل هذا الآن كما أبرز ذلك عالم السياسة فرانسوا هيسبورج مؤخراً في «نيويورك تايمز» بشكل أسهل وأكثر سلاسة في دلالته على دورها وحضورها من معاكستها للاتجاه الأميركي، وعزفها المنفرد خلال الحرب في العراق. ويبدو موقف أوباما أيضاً غير منكر للجميل، تجاه الإيجابية الفرنسية والانخراط المتزايد الذي تظهره باريس في المشهد الدولي، وهو ما يخفف أعباء كثيرة على واشنطن المثقلة سلفاً والميالة إلى الانكفاء نسبياً على أولويات الهم الداخلي الأميركي الضاغط بقوة، وبخاصة في ضوء استعداد منافسي الرئيس الأميركي الجمهوريين لضخ كل رياح غير مساعدة في وجه أشرعة تحركاته الدولية. ولذا يصبح مفهوماً تماماً، تقول الصحيفة، أن يهنئ أوباما نفسه على وجود رئيس فرنسي مستعد لتحمل نصيبه من المسؤولية في منطقة نفوذه، على رغم الإمكانيات العسكرية الهزيلة المتوافرة لدى فرنسا حتى الآن، وإن كانت تلك أيضاً قصة أخرى. أما فيما يتعلق ببند تصحيح اختلالات الصورة السلبية السائدة عن فرنسا لدى أوساط الاستثمار والأعمال الأميركية، فتبدو مهمة أولاند صعبة، ففي أميركا يتهم فيها أوباما بأنه اشتراكي لمجرد سعيه لتمرير برنامج للرعاية الصحية، كيف ستكون النظرة إلى الرئيس الفرنسي الاشتراكي أصلاً؟ سينظر إليه على الأقل على أنه «بلشفي» شيوعي! ومع هذا فقد كانت زيارته لوادي السليكون خطوة ذكية، وكذلك تصريحاته المطمئنة والمغرية للمستثمرين، وإن كان تغيير الموقف السائد هناك صعباً للغاية. وعلى العموم فقد اتسمت زيارة أولاند ببرنامج حافل، وإن كانت أيضاً ملفات شائكة في علاقات الطرفين تركت على الموقد الخلفي كقضية حماية الخصوصيات الفردية في فرنسا وأوروبا من المراقبة على نحو ما أثارت ذلك تسريبات سنودن. ولعل تنحية القضايا الخلافية جانباً كانت أحد أسباب نجاح الزيارة، أو لعلها قد رحلت هي أيضاً إلى زيارة أخرى ممكنة! أولمبياد «سوتشي» في مقال بصحيفة لوفيغارو اعتبر الكاتب بيير روسلين أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين كسب رهان ألعاب سوتشي في النهاية. فهذه الألعاب تكرس عودة روسيا إلى المسرح الدولي بقوة، تماماً كما مثلت ألعاب بكين الأولمبية في سنة 2008 فرصة ثمينة للصين لكي تضع نفسها في مقدمة المشهد الدولي. وهذه الحصيلة لألعاب سوتشي كانت متوقعة أصلاً، حتى لو كانت قد أثارت عملياً بعض الحساسيات والأحكام المسبقة المتفشية لدى الغربيين ضد الروس. واللافت هنا هو قصر النظر الذي يعاني منه الغرب في قراءاته لما بعد اللحظة الراهنة. وقد كان حفل الافتتاح نوعاً من التمجيد لروسيا وقوتها على نحو ما يريد سيد الكرملين تقديمها للعالم. فقد كان كل شيء موظفاً وموجهاً لتحقيق غاية إبهار العالم بقوة وعظمة روسيا، وفي سبيل ذلك تم استعراض كل الصور والأساطير المرتبطة بتاريخ هذا البلد الكبير. وكان الأجانب بطبيعة الحال مبهورين بأداء الفنانين الرفيع وجمال الطبيعة الساحر. فيما الروس يستعرضون ويتفننون على المسرح. ومشهدية الاستعراض ليست عفوية أو عارضة كما قد يبدو لأول وهلة. ولا شك أن الثقافة الروسية تعتبر إحدى أغنى ثقافات العالم، وللدلالة على ذلك يكفي فقط أن نتذكر منجزاتها في مجال الأدب، والفن، وبعض أبرز رموزها المسجلة كتراث إنساني. ولكن بعد أهوال الحرب العالمية الثانية، وثلاثة أرباع قرن من الحكم الشمولي الشيوعي، وما تلا ذلك من ارتباك واضطراب، كان لابد من تذكير الشعب الروسي بذاته، وتحبيبه في هذه الذات واستعادة ثقته في نفسه. ومع هذا يمكن اتهام بوتين بأشياء كثيرة، ولكن بتلويحه بـ«الخبز والألعاب» معاً على نحو ما كان أباطرة الرومان القدامى يفعلون، لا شك أنه قد نجح في توليد انطباع لدى مواطنيه بأنهم ينتمون إلى بلد كبير. وكان حفل افتتاح سوتشي هو الدليل الأكبر على ذلك. وفي الوقت الذي يتصارع فيه الناس في الغرب على الصغائر وينقسمون على موضوعات غير ذات قيمة، لا شك أن هذه الطريقة في كتابة التاريخ الروسي مع إغفال لحظات الانكسار تبدو مجدية، أقله لتوحيد المشاعر على هوية وطنية جامعة. ومع هذا لا شك أن روسيا مختلفة عنا، يقول الكاتب، حيث لم تصل بعد إلى ذلك المستوى الكفؤ من الممارسة الديمقراطية، الموجود في الغرب. ولكن أخذ مسافة أيضاً من بوتين يخدمه، حيث تدعم السلبية الغربية اعتقاده بأن الغرب يسير الآن في طريق الانحدار والتراجع الأخلاقي، وأن روسيا باتت اليوم هي القوة الوحيدة المدافعة عن القيم الدينية المسيحية. تماماً مثلما أن التعامل بجفوة من قبل الغرب من شأنه أيضاً أن يبطئ توجه روسيا نحو تحسين وتطوير تجربتها الديمقراطية، وقد ينفر كذلك النزوع الإيجابي نحو أوروبا السائد عادة لدى النخبة الروسية. وأكثر من هذا من شأن المزيد من افتعال لعبة شد الحبل ضد موسكو أن يدعم التوجهات غير الديمقراطية والسلطوية في روسيا. وينبغي التفكير الآن فيما بعد سوتشي. ومن المفهوم أن روسيا لن تتخلى أبداً عن أوكرانيا، لأسباب جغرافية سياسية. وعوضاً عن الدخول في مواجهة من زمن آخر مع روسيا بوتين، يبدو من العاجل أن نضعها في الحسبان من أجل بناء مستقبل مشترك للقارة الأوروبية. مقاطعة إسرائيل نشرت صحيفة ليبراسيون مقالاً بعنوان «إسرائيل مذعورة، لأنها مهددة بالمقاطعة»، قالت فيه إن المتطرفين في اليمين الإسرائيلي يتهمون أوروبا الآن بـ«الابتزاز» على خلفية تهديدها بمقاطعة منتجات المستوطنات إن فشلت مفاوضات السلام! وتتجه الأنظار الآن إلى الصيغة النهائية لمقترحات وزير الخارجية الأميركي جون كيري لاتفاق إطار لتسوية سلمية بين الفلسطينيين والإسرائيليين. وفي انتظار معرفة تفاصيل هذه المقترحات وردود الجانب الإسرائيلي عليها تزداد مبادرات وتهديدات مقاطعة الدولة العبرية، وهو ما سيمثل ضربة قوية لاقتصادها، ويجعل الساسة الإسرائيليين ينظرون إلى مثل هذه التهديدات بغير قليل من التوجس والاهتمام. هذا فضلاً عن زيادة عزلة إسرائيل والمواقف السلبية في صفوف الرأي العام الغربي الرافضة لسياسات الاحتلال والاستيطان، والداعمة لجهود إحلال السلام في الشرق الأوسط، من خلال إنجاح حل الدولتين. وتنقل الصحيفة عن دراسة «سرية» أن العقوبات الأوروبية لو نفذت فستخسر إسرائيل بسببها 20 في المئة من صادراتها، وهو ما يمثل 4,2 مليار يورو، وهذه عقوبات برقم كبير بالنسبة لاقتصاد إسرائيل. إعداد: حسن ولد المختار