جديدة نوعياً هي موجة الإرهاب الجديدة التي تضرب مصر منذ إزاحة حكم «الإخوان» وعزل الرئيس السابق مرسي في 3 يوليو الماضي. فللمرة الأولى في تاريخ الإرهاب الحديث، يتزامن العنف المسلح مع عنف مدني ويغذي كل منهما الآخر ويصبان في المجرى نفسه حتى إذا لم يثبت بدليل يقيني وجود ارتباط مباشر بينهما. وهذه ظاهرة جديدة في العمل الإرهابي بوجه عام تعود إلى العلاقة التي تنامت بين جماعة «الإخوان» في مصر وعدد من تنظيمات العنف المسلح التي تتخذ الإرهاب سبيلا وحيداً لها خلال العام الذي وصلت فيه تلك الجماعة إلى الحكم (1يوليو 2012 – 3 يوليو 2013). بدأت تلك العلاقة بتحرك من جانب سلطة «الإخوان» لاحتواء تنظيمات العنف المسلح الرئيسية في سيناء، وفي مقدمتها تنظيم «أنصار بيت المقدس» لضبط حركتها تجنباً لإقدامها على ممارسات غير محسوبة. وكان طبيعياً أن يرتبط هذا الاحتواء، الذي نجح مثلا في وقف الهجمات على خطي تصدير الغاز من مصر إلى إسرائيل والأردن طول فترة حكم «الإخوان»، بصفقة شملت حصول تنظيمات العنف المسلح على مزايا وتسهيلات في انتقال الأشخاص ونقل الأسلحة فضلا عن الإفراج عن عدد كبير من أعضائها وآخرين «جهاديين» وإلغاء أحكام قضائية صدرت في حقهم. وانتهت العلاقة التي بدأت باحتواء تلك التنظيمات إلى تحالف وثيق يجمعها الآن مع قيادة «الإخوان». لذلك لم يكن مدهشاً أن يتزامن إطلاق بعض هذه التنظيمات العنف المسلح في سيناء مع بدء تحركات تنظيم «الإخوان» التي يُطلق عليها تظاهرات بينما هي في حقيقتها نوع من العنف المدني لما تنطوي عليه من اعتداءات على مواطنين وتعطيل سبل الحياة وقطع الطرق. وعلى مدى أكثر من سبعة أشهر، مضى العنف المسلح والمدني في خطين متوازيين لا يلتقيان على الأرض، لكن المصلحة المشتركة التي تجمع القائمين بهما تجعلهما رافدين لموجة إرهاب من نوع جديد، أو قل ثلاثة روافد لأن العنف المسلح ينطوي على مستويين مختلفين كثيراً: أولهما العمليات النوعية الكبيرة التي تستخدم فيها كميات ضخمة من المتفجرات وأسلحة قتالية. وثانيهما العمليات الصغيرة التي يغلب عليها الطابع العشوائي. ويعتمد الإرهاب الصغير ذو الطابع العشوائي على عبوات ناسفة بسيطة بدائية الصنع من تدبير وتنفيذ مجموعات قليلة العدد لا يتجاوز عدد معظمها أصابع اليدين. وغالباً ما يكون هؤلاء أصدقاء أو تجمعهم علاقة ويربطهم تفكير متطرف عشوائي وتكوين نفسي معين، الأمر الذي يجعلهم مستعدين للتأثر بالتحريض على العنف الذي بلغ ذروة لا سابق لها في مصر منذ إزاحة حكم «الإخوان». أما العمليات الكبيرة النوعية، التي تستهدف مراكز أمنية مثل مديريات الأمن وأقسام الشرطة ومقرات أجهزة أخرى، فلا تقوم بها إلا تنظيمات محترفة. وتفيد متابعة العمليات النوعية الكبيرة والعشوائية الصغيرة وتحركات العنف المدني خلال الشهور السبعة الماضية أن وتيرة الأولى منها ثابتة تقريباً بواقع عملية تفجير ضخم وعدة عمليات اغتيال في الشهر، وأن معدلات الثانية (العشوائية) أخذت في الازدياد خلال الشهرين الأخيرين مستهدفة مواقع مدنية يبدو أن اختيارها عشوائي وليس مخططاً، سواء العبوات والقنابل البدائية التي توضع في عرض الطريق أو عند مواقع معينة مثل محطات مترو وكنائس وإحدى دور السينما. أما تحركات العنف المدني، التي يتركز أهمها في أيام الجمعة، فقد أخذت في الانحسار تدريجياً سواء من حيث معدلات المشاركين أو عدد المناطق. وهذا انحسار كان متوقعاً. فلا فرصة لمثل هذه التحركات إلا إذا وجدت حاضنة شعبية لها. لكنها بدأت في غياب هذه الحاضنة، لأنها تحدت الإرادة الشعبية التي تجلت في انتفاضة 30 يونيو. ولم تفلح محاولات قيادة «الإخوان» لخلق حالة من «المظلومية» و استدرار التعاطف مجدداً، رغم حدوث بعض التجاوزات الأمنية، بل ظلت في حالة عداء مع معظم الجمهور الذي يفترض أن تسعى إلى كسبه. ويبدو المشهد الإرهابي في مصر الآن في مرحلة انتقال من فصله الأول إلى الثاني، حيث يتزامن انحسار العنف المدني في الشارع مع تنامي الإرهاب العشوائي الصغير الذي قد تكون خسائره أقل من العمليات المسلحة الكبيرة النوعية ولكنه أكثر صعوبة في مواجهته. وربما يتسم الفصل الثاني في الشهور القليلة القادمة بازدياد وتيرة الإرهاب العشوائي الصغير وتناقص مستمر في معدلات العنف المدني، مع ثبات نسبى وربما بداية تراجع تدريجي في العمليات النوعية الكبيرة بمقدار ما تحققه العملية العسكرية المستمرة ضد تنظيمات العنف الرئيسية في سيناء من نجاح في تغيير البيئة الحاضنة لها قبل أن يعود من ذهبوا للقتال في سوريا للالتحاق بهذه التنظيمات أو إقامة أخرى جديدة. ففي ظل عولمة الإرهاب، ذهب عدد غير معروف بدقة من المصريين لـ«الجهاد» في سوريا حيث يوجد مسرح لا سابق له للتفجيرات والاغتيالات وغيرها من أشكال العنف التي تمارسها تنظيمات محترفة مثل «داعش» و«جبهة نصرة أهل الشام» وأخرى متوسطة وصغيرة. ففي سوريا الآن «مدرسة عليا» للإرهاب يتعلم فيها عدد غير معروف من المصريين، لكنهم يُقدرون بالمئات وفق أقل التقديرات، وسيعودون آجلا أو عاجلا. وقد عاد بعضهم بالفعل حين بدأ الإرهاب حربه على المصريين منذ يوليو الماضي. وكان أحد أكثر ما لفت الانتباه في «الفيديو» الذي بثه تنظيم «أنصار بيت المقدس» للانتحاري الذي نفذ محاولة اغتيال وزير الداخلية محمد إبراهيم في 5 سبتمبر الماضي قوله إنه ذهب إلى سوريا قبل أن يعود وينخرط في «الجهاد ضد الحكم في مصر». ولابد من التذكير أيضاً بأن «خلية مدينة نصر» التي ضبطتها الأجهزة الأمنية في عهد مرسي ضمت بعض المشاركين في «الجهاد» في سوريا. غير أن المعطيات المتوافرة تفيد أن عدد من عادوا من سوريا مازال قليلا، وأن معظمهم انضموا إلى «أنصار بيت المقدس» الذي يجتذب العائدين لأنه التنظيم الأكبر في مصر الآن. ويعني ذلك أن هناك مئات على الأقل سيعودون في وقت غير معلوم حتى الآن. فإذا ظلت موجة الإرهاب الراهنة مستمرة حتى عودتهم سيكون لانخراطهم فيها أثر متوقع في تصعيدها وتوسيع نطاقها. أما إذا أمكن الحاق الهزيمة بهذه الموجة، فسيقل أثر عودتهم مالم يلحقوا بها وينخرطوا فيها. ولنا في تجربة من ذهبوا للقتال في أفغانستان وبلاد أخرى عبرة، فلم يكن لعودتهم أثر ملموس، لأنهم عادوا عقب هزيمة موجة الإرهاب السابقة في مصر فلم يجدوا معركة مشتعلة ينخرطون فيها. لذلك تبدو الحرب على الإرهاب في مصر في سباق مع الزمن قبل عودة العدد الأكبر من المقاتلين في سوريا.