دلالات إيجابية للانتعاش العقاري
لا ريب في أن أسواق العقارات في دولة الإمارات العربية المتحدة قد شهدت انتعاشة كبيرة، خلال الفترات الماضية، ما مكّنها من استرداد معظم المكاسب التي كانت قد تنازلت عنها في بدايات «الأزمة المالية العالمية»، مستفيدةً في ذلك من النمو الكبير في حجم الطلب العقاري، الذي شمل مختلف فئات الأصول العقارية، وغطى مختلف مناطق الدولة من دون استثناء، وإن اختلفت وتيرة النمو من فئة عقارية ومن منطقة إلى أخرى.
ورغم ما تحمله هذه التطورات من دلالات إيجابية، سواء تعلق الأمر بالقطاع العقاري الإماراتي في حد ذاته، أو بالاقتصاد الوطني ككل، فإن بعض المؤسسات الاقتصادية، ومنها ما هو محلي ومنها ما هو إقليمي وعالمي، وجدت في ارتفاع الأسعار والإيجارات في الأسواق العقارية سبباً للقلق، وعبّرت عن هواجسها من إمكانية أن تشهد هذه الأسواق بعض الفقاعات العقارية في المستقبل، خصوصاً إذا استمرت وتيرة الارتفاع على حالها لفترة كافية.
لكن الحقيقة أن الارتفاع الحالي في الأسعار والإيجارات العقارية في دولة الإمارات العربية المتحدة لا يمكن فصله بحال من الأحوال عما تشهده الدولة من تحسّن في الظروف الاقتصادية بشكل عام، التحسن الذي بدت ملامحه ظاهرة بقوة منذ مراحل مبكرة، تجلت في تحقيق الاقتصاد الوطني نمواً تجاوزت معدلاته الـ 4 في المئة خلال سنوات متتالية، منهياً بذلك مرحلة من التباطؤ كان قد تعرض إليها بسبب تداعيات «الأزمة المالية العالمية»، بل بدا النمو أكثر استقراراً في قطاعات الاقتصاد الحقيقي في الدولة، وكان للقطاعات غير النفطية نصيب كبير في ذلك، حتى إنها باتت تقود نمو الاقتصاد الكلي. وقد وجدت مظاهر النمو في هذه القطاعات طريقها إلى القطاع العقاري، فتُرجِمت في شكل زيادة صافية في الطلب الحقيقي على الأصول العقارية بشتى أنواعها، فالمستثمرون ضخوا المزيد من رؤوس الأموال في مشروعاتهم، وتوسعوا في أحجام أعمالهم، فباتوا أكثر حاجة إلى المقار الإدارية والمكاتب والمحال التجارية الجديدة، وفي الوقت ذاته زاد طلبهم على الأيدي العاملة فزادت معدلات التوظيف، بالتوازي مع ذلك استمر الإنفاق الحكومي مرتفعاً، فاستمر الطلب الحكومي على العقارات بدوره، مما كان له دور إيجابي في تحفيز الأسواق. وكانت تحركات المستثمرين والمؤسسات الحكومية والنمو الاقتصادي الكلي في الدولة، بدورها، أسباباً كافية لتحسن دخول الأفراد، سواء من خلال توفير فرص عمل جديدة لهم أو زيادة دخولهم، فاندفع الأفراد بدورهم إلى الإنفاق على المساكن مولدين طلباً جديداً على الوحدات السكنية، سواء لأغراض السكن أو الاستثمار، وكذلك استقبلت الدولة استثمارات أجنبية كبيرة في العقارات، نظراً إلى مناخها الاستثماري الجاذب واستقرارها الأمني والمجتمعي.
أضفت هذه المعطيات طابعاً إيجابياً على المشهد الإجمالي لما طرأ على أسواق العقارات الإماراتية من تغيرات خلال الفترة الماضية، وهي مازالت، حتى الآن، تقلل من مخاوف حدوث فقاعات، وستظل في المستقبل، بل إنها تتيح المزيد من الفرص أمام القطاع لتحقيق المكاسب خلال الفترة المقبلة، وإلى جانب ذلك فالمؤسسات الحكومية المشرفة على القطاع العقاري استفادت كثيراً من دروس «الأزمة المالية العالمية»، وأصبحت سياساتها أكثر اتزاناً ونضجاً وفاعلية في التعامل من المستجدات، وقد أعلن معالي سلطان بن سعيد المنصوري، وزير الاقتصاد، مؤخراً، أن الحكومة تتخذ جميع الإجراءات اللازمة لتجنب حدوث أي فقاعات عقارية في المستقبل، ويبدو ذلك واضحاً بالفعل من خلال المبادرات والإجراءات التي تبنّـتها مؤسسات الدولة المختلفة خلال الفترة الماضية، والتي كان لها دور مهم في ضبط حركة السوق.
ـ ـ ـ ـــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.