سوريا والقيادة الأميركية من الخلف
نظراً للخيارات السيئة التي تواجهه في سوريا، أخذ أوباما يعيد إحياء تكتيك سبق أن جربه في حرب سابقة: إنه القيادة من الخلف. وهي الكيفية التي وصف بها مسؤول من البيت الأبيض استراتيجية أوباما في ليبيا عام 2011، عندما كانت الولايات المتحدة تأمل في أن يقدم حلفاؤها معظم المساعدة للثوار بينما تبقى القوات الأميركية في الخلف عموماً. ولكن تلك لم تكن هي الكيفية التي سارت بها الأمور؛ ذلك أن الثورة الليبية استغرقت وقتاً أطول مما كان متوقعاً، والحلفاء لم يكونوا في مستوى المهمة، فانتهى الأمر بالطائرات الأميركية إلى المشاركة في العمليات العسكرية.
اليوم، يواجه أوباما مشكلة مختلفة جداً في سوريا، ولكن العديد من الضغوط هي نفسها. فالجيش السوري الحر، الذي يمثل مجموعة الثوار الرئيسية المدعومة من الولايات المتحدة، بات على شفا الانهيار. وإذا كانت قوات أخرى من الثوار مدعومة من بلدان عربية ما زالت في الميدان، فإنها ليست بصدد الانتصار أيضاً؛ هذا في حين ازدادت بعض المجموعات الجهادية قوة، وبعضها موال لـ«القاعدة». وفي الأثناء، يشن نظام الرئيس بشار الأسد حرباً لا هوادة فيها على المدنيين الذين يناصرون الثوار، حيث يقوم بإلقاء «قنابل متفجرة» على الأحياء السكنية. والنتيجة: أكثر من 100 ألف قتيل، وما يقدر بـ2?4 مليون لاجئ، وحرب أهلية تطورت إلى نزاع بات يطال خمسة بلدان على الأقل.
رد إدارة أوباما كان محدوداً وحذراً: مساعدات إنسانية للاجئين، ودعم غير فعال للثوار، ودعوات للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لإرغام الأسد على قبول وساطة دبلوماسية. غير أن لا شيء من ذلك نجح؛ حيث وصل مؤتمر جنيف للسلام الذي روج له وزير الخارجية الأميركي جون كيري إلى الطريق المسدود بعد أسبوعين فقط، بسبب رفض نظام الأسد التفاوض مع من يصفهم بالإرهابيين.
وفي الأثناء، يكرر «كيري» ومسؤولون آخرون أنه لا يوجد حل عسكري للنزاع السوري؛ ولكن الأسد، المدعوم من روسيا وإيران، من الواضح أنه يؤمن بوجود حل من هذا النوع. بل إن حتى الإنجاز الدبلوماسي الوحيد الذي تقول الإدارة الأميركية إنها حققته - موافقة الأسد على تسليم أسلحته الكيمياوية – لم يحقق ما كان مرجوا منه؛ حيث يقوم النظام بتأخير تسليم الشحنات الموعودة بمكر، وهو يدرك أنه طالما أن تلك الأسلحة مازالت في حوزته، فإن الولايات المتحدة لديها مصلحة في بقائه.
ولكن الوضع أضحى اليوم أسوأ بكثير مع تنامي قوة المجموعات الجهادية في شمال سوريا وشرقها. وفي هذا السياق، أخبر مدير الاستخبارات الوطنية الأميركية جيمس كلابر الكونجرسَ الشهر الماضي من أن المنطقة أصبحت «مصدر قلق ضخم» – ملاذا للمتطرفين وميدان تدريب ممكناً للإرهابيين الذين قد يستهدفون الولايات المتحدة. أي أن سوريا، بعبارة أخرى، لم تعد مجرد أزمة إنسانية، بل ساحة أخرى في الحرب التي لم تنته بعد ضد القاعدة وفروعها.
وهو ما يدعم موقف الداعين إلى تحرك أميركي في سوريا ويجعله أقوى مما كان عليه في ليبيا قبل ثلاث سنوات. غير أنه حتى الآن لا توجد رغبة في ذلك في البيت الأبيض؛ حيث قال مساعد أوباما، بين رودز، لمجلة «نيويوركر» العام الماضي: «لقد كان العراق هو الموضوع الأهم بالنسبة للرئيس»، مضيفا: «والآن يتم النظر إلى سوريا عبر تلك العدسات» – عدسات التشكك تجاه التدخل، إنسانيا كان أو غير ذلك.
وهكذا، أخذت الإدارة الأميركية تتبنى نظرة جديدة تجاه كل الخيارات الأخرى، وبدأت تضع بعضها موضع التنفيذ. وفي هذا الإطار، عقد مسؤولون أميركيون هذا الشهر اجتماعا لمديري الاستخبارات من البلدان التي تدعم الثوار، مثل السعودية وقطر وتركيا، وافقوا خلاله على تنسيق مساعداتهم بدلا من التنافس، مثلما كانوا يفعلون في الماضي. وأعلنت الولايات المتحدة أنها ستزيد مساعداتها العسكرية والاستخباراتية إضافة إلى التدريبات للمعتدلين من بين الثوار. وقالت السعودية ومشاركون آخرون إنهم سيتخذون إجراءات أكثر صرامة ضد الجهاديين.
ويقول المسؤولون السعوديون إنهم يريدون تزويد مجموعات الثوار المعتدلين بصواريخ مضادة للطائرات محمولة على الكتف من أجل استعمالها ضد الطائرات السورية التي تلقي القنابل المتفجرة. ورسميا، تعارض إدارة أوباما أي أحد يقدم هذه الصواريخ خشية أن تقع في أيدي الإرهابيين وتستعمل ضد طائرات مدنية في إسرائيل أو الغرب؛ ولكن مسؤولين من الإدارة قالوا إن الولايات المتحدة قد لا تقوم بشيء لعرقلة المخطط السعودي حيث قال أحد المسؤولين الأميركي: «إن البلدان الأخرى ستتخذ قراراتها الخاصة بخصوص نوع المساعدة التي ستقدمها».
كما جرى بحث خيار آخر ويتعلق ببرنامج تدريبي أميركي موسع للثوار – يديره بشكل صريح الجيشُ الأميركي بدلاً من برنامج «سي. آي. إيه» السري رسمياً المعمول به حالياً. ولكن تلك الفكرة أرجئت الآن إلى وقت لاحق على ما يبدو. وفي الوقت الراهن، فإن جوهر برنامج إدارة أوباما يشبه التصميمَ الأول لتدخلها في ليبيا. ذلك أن الولايات المتحدة تعقد الاجتماعات، وتنسق الجهود، وتوفر المعلومات الاستخباراتية – ولكنها تعتمد على آخرين لتوفير معظم المساعدات العسكرية المباشرة. أي بعبارة أخرى، القيادة من الخلف.
غير أن الهدف، في هذه الحالة، ليس هو إسقاط ديكتاتور، وإنما إرغام نظامه على العودة إلى المفاوضات، كما قال مسؤولون. والحال أن حتى هذا الهدف المتواضع سيكون من الصعب تحقيقه. إذ على غرار ما وقع في ليبيا، فإن أوباما سيواجه على الأرجح ضغوطاً أكثر من أجل التصعيد في حال لم تظهر النتائج بسرعة.
وعلى غرار ما حدث في ليبيا، فإنه قد يواجه قريباً اختياراً من الواضح أنه كان يأمل في تجنبه: أشكال تدخل مباشرة أكثر – وإلا فإن النتيجة ستكون هزيمة مؤلمة مع عواقب وخيمة بالنسبة للولايات المتحدة!
دويل مكمانوس
محلل سياسي أميركي
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم. سي. تي. إنترناشيونال»