لعبة «إخوانية» فاشلة
كنا نظن أن استغلال المؤسسات التعليمية في دول الخليج من جانب المنتمين إلى التيارات الإسلامية في استقطاب الطلاب للعمل السياسي (تسييس التعليم أو أدلجته) قد أصبح أمراً من الماضي، لكن خبر فصل ثمانية طلاب كويتيين من جامعتي الشارقة وعجمان بسبب إنشاء «اتحاد للطلبة» وجمع التبرعات من دون إذن من إدارة الجامعة، أعاد إلينا بعض القصص التي مررنا بها عندما كنا طلاباً في الجامعة.
عانت الإمارات في فترات معينة هذا الأمر، كما عانته دولة الكويت الشقيقة بشكل أكبر، وأعتقد أنها لا تزال تعانيه حتى الآن. وعلى المستوى العربي، تكبدت مصر على وجه الخصوص كثيراً من المعاناة بسبب طلبة «الإخوان»، وما شاهدناه خلال الفترة الأخيرة من حرق «الإخوان» للجامعات وتعطيل الدراسة والامتحانات، والاعتداء على الطلبة غير المنتمين للجماعة يؤكد ذلك.
مفيد ذلك الخبر المتعلق بفصل الطلبة الكويتيين؛ لأنه ذكّرنا بما كان يحدث في جامعة الإمارات في بداية التسعينيات وفي القطاع التعليمي بدولة الإمارات في فترات معينة. وكانت هذه الفترة أوضح مثال على محاولات تنظيم «الإخوان»، الذي يعيش خيبة أمل كبيرة في مشروعه السياسي، استغلال التعليم لخدمة أطماعه واستغلال أجمل فترات عمر الإنسان في «تخريب» تفكيره.
المرحلة العمرية للطالب الجامعي لا تخلو من نشاط فكري ومن حيوية بدنية كذلك، وبالتالي فإن هذه المرحلة قابلة «لتشكيله»؛ إما نحو خدمة الوطن مستقبلا، وإما نحو تمزيق المجتمع إذا تُرك هذا الطالب عرضة لاستغلال تيارات الإسلام السياسي. وبالتالي، فإن الأمر يستلزم من القائمين على المؤسسات الانتباه إليه، كي لا يتم «اختطاف» تفكير الطلاب من جانب من يترصدون للأوطان.
كتب أحدهم تعليقاً على إجراء دولة الإمارات، وكأنه يريد شراً في العلاقات بين البلدين، مدعياً أنه كان يقوم بالاعتصام وجمع الأموال حينما كان يدرس في الجامعات الأميركية، ومع ذلك لم يتم إنهاء منحته الدراسية... يقول ذلك وكأن لا أحد مطلع على ما يتم في الجامعات الغربية من متابعات هدفها حماية المجتمع، وإجراءات تُتخذ بمجرد «التفكير» في اختراق نظام الدولة. وأعتقد أن الأمر لو تجاوز الخطوط الحمراء فيما يخص جمع الأموال لتم اعتقال وسجن مرتكبه، سواء في الولايات المتحدة أو غيرها. فلو قام، على سبيل المثال، بجمع أموال لدعم النظام الشيوعي خلال فترة الحرب الباردة، أو في مرحلة لاحقة من أجل «تنظيم القاعدة»، لما سُمح له. وهنا «مربط الفرس»: المسألة تخص الأمن القومي.
استطاعت دولة الإمارات إنقاذ التعليم من السياسة من أجل «بناء الدولة الوطنية»، بعدما اتضح أن «الإخوان» استغلوا وجودهم في سلك التعليم من أجل استقطاب الكفاءات الإماراتية لخدمة مشروعهم السياسي. وقد كشف البرنامجان الوثائقيان في «قناة أبوظبي» و«قناة العربية» عن «الإخوان المسلمين» في الإمارات الكثير من التفاصيل والمداخل المُستخدمة للإيقاع بالطلاب، مثل إغرائهم بالسفر والرحلات.
جديد «الإخوان» الآن- بعدما افتضح أمرهم- أن البعض انشق عنهم؛ إما لأنه أدرك أهدافهم، وبالتالي لا يريد التورط مع مشاريعهم ضد الدولة، وإما لأنه أدرك خيبة الأمل التي لحقتهم، وأنهم يحاولون إنقاذ ما يمكن إنقاذه. يفعل ذلك من يحاول أن يصور «الإخوان» في وسائل التواصل الاجتماعي وكأنهم مازالوا موجودين. كما يفعل ذلك القرضاوي الذي «استهوته» لعبة الإساءة إلى دول الخليج، وخاصة دولة الإمارات، ولا يدري أنه يفقد مصداقيته لدى الرأي العام العربي والإسلامي مع كل إساءة. وجديد «الإخوان» أيضاً، هو محاولات الإيقاع بين الدول الخليجية وتخريب العلاقة بين الشعوب، بعدما فشلوا في الإيقاع بين مصر والدول الخليجية.
هذا أبسط تفسير لما يفعله القرضاوي وما يفعله «المُتوْتِرون» والمُوتِّرون (بتشديد التاء الثانية) من «إخوان» الخليج.
لم تعرف العلاقات البينية الخليجية توتراً سياسياً كما هي الحال بين قطر ودول الخليج الأخرى بسبب أصحاب هذا التيار. وهم يحاولون الآن فعل ذلك بين الكويت والإمارات، لكن في الحالتين فإن إدراك الشعوب الخليجية لأهداف «الإخوان» يُفشل محاولاتهم. وقد وضح الأمر في ردود فعل الرأي العام الكويتي الذي رأى في القرار الإماراتي مصلحة وطنية، وكذلك الرأي العام القطري، وهناك تسريبات إعلامية حول إيقاف خطب القرضاوي التي تسببت في مشكلات كبيرة لدولة قطر.
هناك حالة من الاستياء من «الإخوان» في المجتمعات الخليجية، والعربية عموماً، وربما يكون هذا هو أحد الأسباب التي تجعل البعض يبتعد عنهم، سواء أكان ذلك في صورة انتقاد لهم أو انشقاق عنهم، أو إنكار للانتماء إلى التنظيم أصلا. وهذه ميزة تتمثل في نبذ الانتماءات التي لا تؤمن بالأوطان.
هناك رغبة إماراتية في أن تعيش المجتمعات العربية والخليجية باستقرار ونمو، بعيداً عن الانشقاقات المجتمعية والانتماءات الجزئية التي كانت عاملا أساسياً في تأخر كثير من الدول العربية. وبالتالي فإن ما تقوم به هو التركيز على الإنسان من خلال إبعاده عن الأفكار «المخرّبة»، خاصة في العملية التعليمية التي تُعتبر الوعاء الأول للمواطنة. ومساعي إسكات القرضاوي وإبعاد الطلبة الكويتيين يصبان في هذا القرار، ولهذا استوعب الرأي العام في الدولتين ما تهدف إليه الإمارات، وكان «مسماراً» جديداً في نعش «إخوان» الخليج.
عندما يتعلق الأمر بمسائل مصيرية لا يكون هناك خيار أمام الدول إلا الذهاب بعيداً في الدفاع عن مصالحها، وأعتقد أن المصلحة الخليجية مشتركة في الكثير من الملفات، وبالتالي فإن تفهم الكويتيين لقرار دولة الإمارات- خاصة أنهم أكثر من عانوا من أصحاب الانتماءات الدينية- ساعد كثيراً على تجاهل رد فعل «الإخوان».
الإمارات منذ قيامها معنية بخلق جيل وطني يعرف قيمة الدولة التي يعيش فيها، وكيف نشأت في ظل ظروف إقليمية ودولية استثنائية، لذا تجد العديد من القرارات التي تحقق هذا الهدف؛ ومنها قرار «الخدمة الوطنية».
إن النجاح التنموي- والإمارات نموذج له- مرتبط بالانتماء إلى الأوطان، وتجنب التشوش في الأفكار الذي قد يُنهي كل شيء كما حدث في دول أخرى. والأمر لا يحتاج إلى المزايدة، إذ يكفي استرجاع صور التجارب التي مرت بها الدول العربية.