---------------- محمد الباهلي ----------------- منذ أن مزّقت الأحداث السياسية العالم العربي وما حدث نتيجة مثل هذا التمزق من تقلبات في المشهد السياسي وفي موازين القوة العربية والإقليمية والدولية، والتي على أثرها صعدت دول وسقطت دول، استغلت إسرائيل هذه الحالة المضطربة في العمق العربي لصالحها، وسارعت لتجنيد أدواتها، السياسية والإعلامية والاستخباراتية، لتحقيق أمرين: الأول- المحافظة على استمرار حالة الفوضى والاضطراب في المنطقة العربية. والثاني- إحداث المزيد من الاضطراب والتخريب وتأليب الدول والجماعات والطوائف والأعراف بعضها ضد بعض لتوسيع دائرة الفتنة في المنطقة. وكل كذلك ذلك يأتي في إطار من التصميم الواضح لإنجاح سياسة «فرِّق تسُد» التي تهدف استراتيجيا إلى إدخال المنطقة في مرحلة التفتت، فيميل الصراع حول فلسطين لصالح القوة الصهيونية أكثر فأكثر، وتظل المنطقة غارقة في اضطراب عميق وتمزق سياسي مستديم. ولعل الجنرال «بيني جانتس»، رئيس الأركان الإسرائيلي، قال ذلك بوضوح: إن الهدف من ذلك هو أن تصبح الجيوش العربية التي كانت تحارب الدولة العبرية على حافة الفناء. وهو يقصد بذلك أن إضعاف الجيوش العربية سوف يسهل على إسرائيل في أي حرب قادمة مع العرب تحقيق التفوق المطلق. كما حدد الكاتب الإسرائيلي «اليكس فيشمان» معالم الصورة العامة في مقاله «لا خوف على إسرائيل اليوم»، والمنشور في صحيفة «يديعوت أحرانوت» (عدد 2014/2/21)، إذ قال «إن القيادة الإسرائيلية مصممة جداً على تحقيق أهدافها وتستطيع أن تتخذ قرارات مهمة، وإن جيراننا على يقين من أنه إذا نشبت حرب بين إسرائيل والعرب فإن الجيش الإسرائيلي سيزرع دماراً أوسع مما قام به في أي وقت مضى». ويكمل الكاتب قائلا: «علينا استخدام القوى الإقليمية التي تعادي العرب، سواء أكان ذلك من خلال الحروب الطائفية بين السنة والشيعة أو عبر نشر تأثير إسرائيل في المجال الإقليمي وذلك من أجل إقامة محور مضاد للعالم العربي والإسلامي يتحدى ويحطم في الحروب القادمة القوى العربية». كما اعتبر اللواء «افيف كوخافي»، رئيس جهاز «أمان» الإسرائيلي، في محاضرته التي ألقاها بمعهد بحوث الأمن، أن ما يحدث من فوضى واضطراب في العالم العربي فرصة تاريخية لإسرائيل يجب أن تستغلها بسرعة. وكذلك نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي «موشي فيجان» الذي لم يتأخر هو الآخر عن القول، وهو يعتلي سطح مسجد قبة الصخرة المشرفة: إن المسجد الأقصى لليهود وعلى العرب الرحيل إلى شبه الجزيرة العربية، وقبة الصخرة معبد يهودي وليست للمسلمين! على النخب العربية إذن أن تواجه نفسها بالحقيقة الواضحة، وهي أن السلام مع الوجود الصهيوني في المنطقة لن يكون سلاماً سهل المنال ومن شأنه يجعل المنطقة العربية تعيش في أمن واستقرار، خاصة بعد أن تداخلت كل الخطوط والألوان والأفكار السياسية فيها. فالخطاب الإسرائيلي واضح وصريح، فغالبية قادة إسرائيل وكتابها يؤكدون دعم السيناريوهات والمشاريع الرامية لتمزيق الوطن العربي, معتبرين أن ذلك فرصة تاريخية للمراجعة العسكرية والتفوق على العرب لتحقيق حلم المشروع الإسرائيلي الكبير.