لعل العجز الديمقراطي العربي هو ما جعل بحوث الرأي العام تقف عند نقطة الانطلاق، فلا تتجاور في كثير من الأحوال المراحل الاستطلاعية أو التجريبية. وباستثناء ما تقوم به مؤسسات إعلامية وصحفية من استطلاعات، لا يمكن تحديد درجة مصداقيتها ومدى وثوقيتها، فإنه لا يكاد يوجد اهتمام واسع ببحوث وقياسات الرأي العام العربي والتعرف إلى مواقفه وتصوراته فيما يتعلق بالحياة السياسية والشأن العام، وضمنهما مسألة الديمقراطية. ولعله من هذا الفراغ تنبع أهمية كتاب «اتجاهات الرأي العام العربي نحو الديمقراطية»، لمؤلفه الدكتور يوسف الصواني، أستاذ العلوم السياسية بجامعة طرابلس، والذي يقدم فيه عرضاً وتحليلا لنتائج المسح الاجتماعي للاتجاهات السائدة في المجتمع العربي حول الديمقراطية، ومقارنتها بنتائج مسوحات ودراسات مماثلة جرت سابقاً، ضمن سياق تاريخي وفكري لدراسات وبحوث الرأي العام العربي، لقياس مدى التحولات التي يشهدها المجتمع العربي حيال مسألة الديمقراطية. ويحاول الكتاب استكشاف مكامن ومرتكزات ومظاهر الفكرة الديمقراطية على المستوى الشعبي، وفي الثقافة العربية، كما هي مُعبّر عنها في اتجاهات الرأي العام العربي نحو الديمقراطية. وقد قام الصواني بإجراء الدراسة الميدانية بالتعاون مع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية ومركز دراسات الوحدة العربية في عام 2010، لقياس اتجاهات الرأي العام في عدة أقطار عربية نحو الديمقراطية، وذلك باستطلاع رأي عينات ممثلة لهذه الأقطار. وكما تكشف نتائج المسح ومؤشراته، فإن المفاهيم والقيم الديمقراطية التي أصبحت مكوناً رئيسياً في الفكر العربي، وجزءاً مهماً من المشروع النهضوي العربي، هي أيضاً ذات قبول وانتشار على مستوى الثقافة الشعبية في الدول التي شملها الاستطلاع. ولذلك دلالات يتوقف عندها المؤلف، لاسيما أن المسح أجري قبل بضعة أشهر فقط من اندلاع احتجاجات «الربيع العربي»، وما نتج عنها من قلاقل أسقطت بعض النظم وأضعفت بعضاً آخر في العالم العربي. ويعتبر الكتاب أن من أهم النتائج التي تكشفها الدراسة الميدانية أن أكثرية المواطنين في دول «الربيع العربي» قادرون على تقديم تعريف لمفهوم الديمقراطية ذي مضمون ومحتوى، بينما كانت نسبة الذين أفادوا بأنهم غير قادرين على ذلك قليلة إذ لم تتجاوز في أعلاها 10 في المئة. واللافت في هذه النتائج أن أكثرية المستطلعين تركز على تعريفات في إطار الثلاثية المعتمدة على حرية الرأي والحريات السياسية والمدنية وتطبيق مبدأ المواطنة. كما تشير النتائج إلى أن المشاركة في الانتخابات النيابية والبلدية في الدول التي شملها الاستطلاع، هي مشاركة ضعيفة، إذ لم تشارك الأكثرية في تلك الانتخابات. وفي حين أن هناك نسبة معتبرة (بين الخمس والثلث) ممن لم يقترعوا، عزوا عدم مشاركتهم إلى الانشغال بقضايا شخصية، فإن ذلك يعطي انطباعاً بعدم أهمية الانتخابات من الناحية الجوهرية، كما يقول المؤلف، وذلك بالنظر إلى أن نسبة كبيرة (40 إلى 70 في المئة)، توافقت على أنها كانت انتخابات غير نزيهة. وهكذا فإن إجراء انتخابات غير نزيهة أو مزورة يصبح بحد ذاته عاملا مهماً ومفسراً لتدني نسبة المشاركة في الانتخابات، ولسيادة الشعور بأنه لا جدوى أصلا لمثل هذه الانتخابات. ومن ذلك يخلص الكتاب إلى الأسباب الكامنة وراء «الربيع العربي»، إذ تكشف نتائج الدراسة الميدانية عن العوامل التي كانت تعتمل في المستويات المختلفة حيال القصور الديمقراطي الذي كان سائداً في تلك الدول قبل اندلاع ثوراتها الشعبية. لذا فإن عملية تحليل اتجاهات الرأي العام العربي نحو نظم حكمه، بممارساتها وتمثلاتها، تعزز فكرةً مؤداها أن الرأي العام في دول «الربيع العربي» كان في عام 2010 قد فقد الصلة بتلك النظم ومؤسساتها، وأصدر حكمه النهائي والقاطع بشأنها وحدد طبيعتها الديكتاتورية وانفصالها التام عنه، ما مهد الطريق للثورة وما أعقبها من قلاقل وأزمات لا تزال متواصلة حتى يومنا هذا. محمد ولد المنى ------ الكتاب: اتجاهات الرأي العام العربي نحو الديمقراطية المؤلف: د. يوسف الصواني الناشر: مركز دراسات الوحدة العربية تاريخ النشر: 2014